ليت أن لجنة التحقيق التي شكلها محافظ تعز تشد حزامها، وتصل إلى قاتل أو قتلة ضياء الحق الأهدل في أقصر وقت، خاصة وأن الجريمة مشهودة.. أن تقول الحقيقة التي تبدد بها تكهنات الكهان، الذين يزعم بعض منهم أن دولة برمتها مهمومة بالتآمر على فرد ربما لم يسمع به أحد من أهلها.. أيضاً هناك من يدلس بقوله إن الهدف من اغتياله، هو تفجير الوضع بين مقاومة تعز والساحل بعد التقارب المزعوم بينهما.. على أن هذا التدليس غير البريئ هو تفسير غير دقيق لقول كتبه الأهدل قبل يومين من اغتياله: التفاهم وتقريب وجهات النظر، ثم تنسيق المواقف خطوات في الاتجاه الصحيح، تزداد أهميتها إذا جاءت لمواجهة عدو لا يرقب في خصمه إلاً ولا ذمة.
وفي حقيقة الأمر لم يبرز بعد أي تفاهم وأضح، أو تقارب بين قيادة المقاومة الوطنية، وقيادة المحور في تعز، إلى الدرجة التي يمكن تدفع العصابة الحوثية، إلى المسارعة لضرب هذا التقارب والتفاهم. كما أن الأهدل قدم للعصابة خدمات جليلة من خلال موقعه كمسئول عن ملف الأسرى، فقد أنجز الطرفان عمليات تبادل ناجحة بأسهل الطرق، ومع ذلك فلا ينبغي استبعاد ضلوع العصابة الحوثية في اغتياله بالنظر إلى أن دوره في منافحتها في بداية الأمر، كما لا ينبغي استبعاد أي احتمال آخر، فالرجل مال في الفترة الأخيرة إلى توجيه انتقادات نحو مسئولين عسكريين وأمنيين وسياسيين نافذين في تعز بسبب إطلاقهم موالين لهم للقيام بأعمال فوضى في شوارع المدينة، وتوفير الحماية للقتلة وعصابات السطو على الأراضي، على الرغم من أنه هو نفسه كان يقوم بالدور نفسه أحيانا، كما في مثال حمايته لصديقه لذلك الحبيب السامعي الذي قتل وأصاب عدداً من جنود اللواء 35 مدرع في غزوته المشهورة لبلدة العين بمديرية المواسط.
إن ما ينبغي التركيز عليه الآن هو أن عملية تصفية جسدية قد حدثت لأسباب سياسية على الأرجح، وراح ضحيتها قائد سياسي، لا بد أن ينصف ميتاً، وتنصف عائلته.. لا بد من الوصول إلى القاتل أو القتلة، ومعرفة دوافعهم، والاقتصاص منهم لنفس إنسانية أزهقت في وضح والنهار، وفي شارع عام.
هي جريمة مشهودة، وشهودها يجعل الوصول إلى مرتكبيها ممكنا وفي أخصر وقت، دون تراخ أو تقصير من لجنة التحقيق، فالتراخي والإهمال عدو العدالة، بل هو ظلم صراح، كما يرينا التراخي في عدم الوصول إلى جميع مرتكبي جريمة قتل الحرق والتنكيل بأهله.
وإذا كان في هذه الجريمة عبرة، لصاحب سلطة تنفيذية أو مسئول حزبي، فهي أن يقوم بمهامه في إطار القانون وفي ذلك الكفاية، وأن لا يسيئ استغلال وظيفته، أو أن يسمح لغيره استغلال نفوذه ليحققوا من خلاله مصالح حزبية أو سياسية.. كان الأهدل في الأصل رئيس دائرة المنظمات والنقابات في المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح بمحافظة تعز، ومع ذلك تم الزج به في مهام أمنية وعسكرية لأسباب لا تخفى على أحد.. ولعله من المناسب هنا التذكير -دون أن يعني ذلك التعريض بالضحايا أو الغمز إلى أي دور لأي منهم في جريمة الاغتيال- أن الأهدل كان يوصف في الأخبار والتقارير الإعلامية أنه كان مسؤولا عن سجون سرية وغير قانونية، ومسئولا غير مباشر عن السجون الرسمية، والتي استخدمها الإصلاح للتنكيل بخصومه السياسيين، ومنتقدي سياسته في إدارة مدينة تعز.. يشكو الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري من تعرض عدد كبير من أعضائهما للإخفاء القسري، وهناك حالة مشهورة، هي حالة التربوي طاهش الحوبان، الذي ما يزال محتجزاً في السجن الحربي منذ أربع سنوات أو يزيد.. قبل نحو عام وجه رسالة إلى رئيس النيابة العامة في محافظة تعز يطلب منه إما التحقيق معه أو إطلاق سراحه، وأشار أن مسلحين تابعين للقيادي الإصلاحي الأهدل اعتقلوه أثناء دخول تعز التي هرب بحثاً عن الأمان من العصابة الحوثية صنعاء، فوضع في سجن خاص في ما يعرف بساحة الحرية ونقل إلى غيره قبل أن ينقل إلى السجن الحربي.
هناك أمر آخر، وهو أن محامي أولياء دم العميد عدنان الحمادي كرر القول إن الأهدل ورد اسمه في محاضر التحقيق في جريمة الاغتيال، وفقاً لاعترافات المتهمين الذين قبض عليهم وحققت النيابة معهم، فما كان ضره لو تقبل المساءلة وتقديم المساعدة للقضاء من أجل نصفة الحمادي وعائلته؟