محمد خلفان يكتب:
الاستفادة من رسائل الإمارات التنموية
مع أنه لا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية الإثارة والانبهار اللذين يقع فيهما المراقبون في ما يحصل في دولة الإمارات، وفي القلب منها إمارة دبي، إلا أنه من المهم أن يخرجوا من تلك الحالة إلى التركيز على العبر والدروس التي تحملها في استشراف وصناعة المستقبل ومواجهة التحديات وبناء دولة وفق قواعد قابلة للاستمرار في أن تبقيها في الصف الأول عالمياً، لأن ما يحدث فيها يكاد يكون استثنائياً.
الإمارات بقيت على قمة الدول الصانعة للأحداث الملهمة للإنسان في العالم في كل المجالات، الثقافية، والرياضية، والاقتصادية، والسياسية، وحتى الفضاء، إلى أن وصلت إلى مجال الذكاء الاصطناعي الذي هو حديث الجميع اليوم. وبلا شك أن المنبهرين بدولة الإمارات لديهم مبرراتهم إن كانوا من أهل منطقة الشرق الأوسط أو بقية دول العالم.
ولكي تفهم ما يحدث في الإمارات وفق المرحلتين، الخمسين عاماً الماضية التي كانت كلها تأسيساً، وبين الخمسين عاماً المقبلة التي دشنتها بالعديد من المشروعات الكبرى منها الوصول إلى المريخ والإعلان مؤخراً عن الاستعداد لاكتشاف الزهرة، فعلى المراقب أن لا يتمترس وراء النظريات والشعارات الجامدة والقناعات المسبقة، لأنه سيكون غير قادر على تحليل ما يحدث في هذه الدولة، وإنما الذي عليك فعله (كمراقب) أن تترك الإثارة تجري كما هي، لكن بحيث لا تجعلك تغفل عن محاولة فهم ما يقف وراء ما يحدث في هذه الدولة.
فما هو سر استمرار تلك القصص الناجحة على مدى نصف عقد والمؤشرات تقول إنها ستستمر للخمسين القادمة من واقع التفكير المنطقي؟!
فمع تأكيدنا على أنه من حق الآخرين تقليد ما يتم في دولة الإمارات من مبادرات ومشاريع تنموية بصورة طبق الأصل، إلا أنه من المهم قبل الخوض في الإجابة عن التساؤل السابق، فإن علينا معرفة قاعدة عامة، هي أن التجارب التنموية لا تستنسخ كما هي، لسببين اثنين هما: السبب الأول: له علاقة بأن لكل مجتمع تجربته الخاصة المرتبطة بالبيئة التاريخية المتراكمة لعشرات السنين، لذلك فالإعجاب بتلك التجربة لا يعني نجاح الآخرين في استنساخها وتنزيلها على واقع مجتمع معين، ففي هذه الحالة قد يحدث نقل مشوه، فالأمر يحتاج إلى بيئة مشابهة بتفاصيلها الدقيقة، وهذا قد يكون غير متوفر.
أما السبب الثاني، وهو خاص بدولة الإمارات وبإمارة دبي تحديداً، وهو أنه في ظل حالة الاستمرارية التي تسير عليها الدولة في مجال التنمية وفي ظل الوتيرة المتسارعة، فإن مسألة المنافسة معها شبه معدومة أو مستحيلة، لهذا فإن مسألة نقل ما يتم في هذه الدولة هو نوع من التبسيط والتسطيح أكثر مما هو حالة الاستفادة من تجربة تنموية.
بما أن الكلام هنا عن حالة مبهرة من التنمية الشاملة، فلا بد من البحث عن ما يقف وراء ذلك، وهنا تأتي رؤية القيادة التي برزت منذ الأيام الأولى لتأسيس الاتحاد والقائمة على الانحياز إلى المبادرات التي تنفع الشعب والإنسان بشكل عام، وعليه فحين تتابع كل القصص التنموية تجد أنها تنتقل بالإنسان من مرحلة إلى مرحلة أخرى أفضل من السابق، ما يعني أن الإمارات ركزت على الإنسان، لذا فهي تستضيف أكثر من 200 جنسية، وهناك من يرغب في أن يأتي ليعيش فيها، والسبب كله البحث عن حياة أفضل للعيش.
ما يتم في أرض الإمارات حالياً ومستقبلاً هو ثمرة تعب قيادة أجهدت نفسها لأكثر من خمسين عاماً حين أسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخوه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، دولة تُحسن ترتيب أولوياتها لتعمل بنفس طويل.
الذي لا يمكن تجاهله في ما يحدث في الإمارات أنها باتت تحترف فن صناعة الإنجازات وإبهار الرأي العام العالمي، ومثلما هي ملهمة للكثير من دول العالم التي تحاول استنساخ تجربتها فإنها تؤكد أن رصيدها من الأفكار لا ينضب، لأنها تقف على أرضية صلبة أساسها الإنسان ورؤية قيادة.