آراء وأفكار

ماريا معلوف تكتب:

كيف يعكس قصف قاعدة "التنف" أزمات أميركا في المنطقة؟

تعرضت قاعدة "التنف" العسكرية الأمريكية في جنوب سورية (-وهي الموقع الوحيد الذي فيه تواجد عسكري أمريكي كبير خارج المناطق في الشمال التي يسيطر عليها الأكراد- ) في الـ20 من شهر أكتوبر المنصرم لهجمات باستخدام طائرات بدون طيار وفقا للعديد من التقديرات الأمريكية.

ولكنها لم تؤد إلى سقوط ضحايا أمريكيين، ولم تعلن أي جهة – حتى الآن - مسؤوليتها عن الحادث وإن أشارت تقارير أمريكية إلى أن ميليشيات مسلحة موالية لإيران هي من نفذتها. وقد أكدت القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط أن الهجوم متعمد ومنسق.

تأتي هذه الهجمات العسكرية ضد قاعدة "التنف" العسكرية وسط صراع إقليمي أوسع في منطقة الشرق الأوسط، وفي خضم تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة عبر إعادة ترتيب الأولويات وهذا ما يفسر توقيت تلك الهجمات ضد القاعدة الأمريكية لأول مرة، ويمكن عرض أسباب توقيت هذه الهجمات في النقاط التالية:

أولا/ إنها ضغوط إيرانية قبل العودة للمباحثات غير المباشرة في فيينا ذلك أنه ورغم إعلان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن عودة طهران "قريبا جدا" إلى مباحثات فيينا غير المباشرة تمهيدا للعودة للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فإنه – حتى الآن – لم يتم تحديد موعد الجولة السابعة من المباحثات، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى ممارسة المزيد من الضغوط على النظام الإيراني للعودة للمباحثات وبالتالي وقف التقدم الذي يحرزه في البرنامج النووي. وفي المقابل تتبني إيران استراتيجية ضغوط مضادة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا. ويمكن القول هنا انه يعد الهجوم على قاعدة "التنف" الأمريكية أحد أدوات الضغط الإيراني فقد قال مصدر إيراني لوكالة "تسنيم"
الإيرانية إن الهجوم يعد رسالة مزدوجة للولايات المتحدة وإسرائيل بأن "يد محور المقاومة طويلة وقادرة" في إشارة إلى وكلاء إيران المسلحين في المنطقة.

ثانيا/ إفشال إيران الجهود الأمريكية لعزلها عن حلفائها: ذلك أنه في أعقاب نجاح قوات التحالف الدولي التي كانت تستخدم قاعدة "التنف" في شن هجمات على تنظيم "داعش" الإرهابي، تحولت القاعدة لجمع معلومات استخباراتية عن تحركات إيران الإقليمية والقيام بالعمليات الخاصة ضد الميلشيات الشيعية المسلحة والمدعومة من طهران، والتي تعمل في خدمة الحرس الثوري الإيراني حيث يرى النظام الإيراني أن قاعدة "التنف" العسكرية تمثل تهديداً لميليشيات إيران التي انتشرت على طول نهر الفرات من البوكمال على الحدود العراقية إلى دير الزور، وأنها تشمل تهديدا محتملا لمحاولتها إنشاء طريق على البحر عبر العراق وسورية حتى تتمكن من تسليح حزب الله اللبناني.

ثالثا / إنها ضغوط لانسحاب القوات الأمريكية من سورية فقد تسبب الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان، وتخطيط الإدارة الأمريكية لإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق بنهاية العام الحالي، وتحويل دور القوات الأمريكية من المهام القتالية إلى تقديم المشورة والتدريب للقوات العراقية، في دفع القوى السورية والميليشيات المسلحة الموالية لإيران لممارسة المزيد من الضغوط على الوجود العسكري الأمريكي في سورية، لمغادرة أراضي الدولة السورية حيث نفذت الفصائل المتحالفة مع طهران أكثر من مرة هجمات على قواعد عسكرية أمريكية في سورية ولا يخفى أن الحرس الثوري الإيراني يدعم الميليشيات السورية التي تهاجم القوات الأمريكية بطائرات بدون طيار والصواريخ والعبوات الناسفة. ورغم الخلافات بين كل من روسيا وتركيا وإيران وسورية، فإنهم يصعّدون من حملاتهم السياسية ضد وجود القوات الأمريكية في سورية.

رابعا/ إثبات وكلاء إيران في العراق نفوذهم في أعقاب الانتخابات التشريعية المبكرة فقد كشفت نتائج الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر المنصرم عن تراجع التحالف الشيعي، الممثل لـ"الحشد الشيعي"، الموالي لإيران، مع فقدانه ثلث عدد نوابه، ولهذا فقد هدف وكلاء إيران المسلحين في العراق والأحزاب المرتبطة بهم من خلال الهجوم على قاعدة "التنف" ‏تأكيد شرعيتهم بعد ظهورهم الضعيف في الانتخابات، وخاصة بعد اتهامهم الولايات المتحدة بالتلاعب بالانتخابات لتحجيم قوتهم، ولهذا فإنهم يحاولون ‏استدراج الولايات المتحدة لمواجهة تعززه خطابهم السياسي.

خامساً / الرد على الهجمات الإسرائيلية ضد الميليشيات الموالية لإيران في سورية فقد لعبت قاعدة "التنف" العسكرية دورا في الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سورية خلال السنوات الأخيرة، حيث تستخدمها الطائرات المقاتلة الإسرائيلية كنقطة مرور قبل دخولها المجال الجوي السوري، ما أدى إلى تعهد الفصائل المدعومة من إيران في سورية بانتقام متكرر. ويأتي الهجوم على القاعدة الأمريكية بعد تعرض مواقع عسكرية لقوات النظام السوري من بينها مطار "تي فور" بريف محافظة حمص لهجمات عسكرية نفذتها طائرات إسرائيلية من أجواء القاعدة. وفي أعقاب تلك الهجمات نشرت ما تسمي ب"غرفة حلفاء سورية" بيانات أكدت فيه أنه ستقوم بالرد عليها.

في الخلاصة فقد ادى تعدد الهجمات المسلحة لوكلاء إيران ضد القوات الأمريكية في العراق وسورية إلى زيادة الضغط على ‏الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل الرد على تلك الهجمات المتزايدة، وسط اتهامات بفشل نهجه، ولا سيما من قبل الجمهوريين، و بأن رده حتى الآن غير كاف ولا فعال في الردع بعد ضربتين جويتين انتقاميتين ضد الميليشيات المدعومة من إيران منذ توليه السلطة في ٢٠ يناير الفائت، في حين يحاول الكونغرس تقليص صلاحيات الرئيس لشن ضربات عسكرية...وكذلك ومع تأزم الأوضاع الإقليمية في المنطقة، وتعثر عقد الجولة السابعة من المباحثات غير المباشرة في فيينا، والارتدادات العسكرية لعملية الانسحاب الأمريكي الفوضوية من أفغانستان، فمن المتوقع أن تتزايد العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لزيادة الضغط على الإدارة الأمريكية لإحداث تحولات في سياساتها الخارجية تجاه المنطقة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر لها نوفمبر من العام المقبل.

------------------------------------------

نقلا عن سكاي نيوز

التعليقات

شروط التعليقات
- جميع التعليقات تخضع للتدقيق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها

مقالات ذات صلة