سهى الجندي تكتب:
طرد السفيرة الاسرائيلية من جامعة بريطانية
تصدى طلاب جامعة بريطانية أمس للسفيرة الإسرائيلية في لندن والتي كانت تنوي إلقاء محاضرة، واضطرت أن تهرب محاطة بالشرطة، وهذا ليس أول حدث من نوعه، فقد سبق لجمعية أكاديمية بريطانية أن قاطعت الجامعات الإسرائيلية، وهذا ثمرة الجهود الإعلامية التي يقوم بها العرب لكسب التأييد العالمي، وقد ادعي البعض أن من طردها هم عرب، ولكن هذا غير صحيح فالذي طردها هم طلاب بريطانيون وجنسيات أخرى منها العرب.
إن الرأي العام ضروري لكسب القضايا ولكنه لا يؤثر إذا لم يبلغ الكتلة الحرجة، كما في القنبلة النووية، ولم يصل العرب الى الكتلة الحرجة لكي يكون لهم تأثير. فالرأي العام لا يعتمد على الشرح وعرض الصور والأفلام والبرامج الوثائقية فقط، والفكرة العامة عن العرب هي ما تفوه به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من حيث أن العرب ضعفاء ومنافقون وخائنون ويسيطر عليهم التفكير الغيبي، وقد عراهم ابن خلدون قبل ترامب بقرون، ولو كان الرأي العام العابر يؤثر، لما حدث غزو العراق، ولما تشكلت الميليشيات العقائدية التي تقتل وتدمر وتفجر، ولما كان الانقسام مستشريا على حساب سلامة البلاد والبشر، ولما كان العرب يهربون من بلادهم الى حيث الديمقراطية والفرص، وطالما أن العرب دمى في أيدي قوى خبيثة، فلن يحترمهم العالم حتى لو تم طرد السفيرة من جامعة بريطانية.
لا تزال الكتلة الحرجة بعيدة المنال، لأنها لا تقتصر على الإعلام والتثقيف والتوعية، بل هناك عشرات العوامل التي تجبر العالم على عدم احترام العرب وتأييدهم في قضاياهم العادلة، وأول تلك العوامل هو عدم ارتقاء الانسان العربي بنفسه، وتبديل القيم التي يعيش بمقتضياتها بأخرى قائمة على العدل والنزاهة والمنطق. فلا يزال العربي منافقا وكاذبا ويتبنى أفكارا من شأنها إبقاء المجتمع في الدرك الأسفل، ولا يخفى على أحد الإثراء من المنصب وانتشار الفساد، وقهر المرأة والطفل، وعدم الانشغال بالشأن العام وإصلاح المجتمع، وإذا وصل أحد ما الى مرحلة الوعي والنضج، فإنه يرحل أو ينتحر لأنه لا يستطيع العيش في ظل هذا المناخ الاجتماعي الخانق حيث يخسر الصادق والذي يتحمل المسؤولية والذي يحمل أخلاقا إنسانية بعيدا عن عبارات "تقوى الله وأداء العبادات" وهو في داخله شيطان رجيم ويقتنص الفرص، وإذا ما استنجد بالقضاء، فإن القضاء بليد وعقله ثخين.
إن العالم يفهم العرب أكثر مما يفهمون أنفسهم، ويعرف أنهم أمة صوتية، ولن يحترموهم ويقفوا الى جانبهم طالما أنهم لا يحترمون أنفسهم، ولا يعرفون الحق ويلتزمون به، ويتظاهرون بالتدين وهم أبعد ما يكونون عن الالتزام بقيم العدل واحترام الانسان لإنسانيته، وإذا قدروا عليه، فإنهم يسحقونه وينسون الوعظ والإرشاد، وويل للصادق المستقيم الذي يعيش بينهم من المحيط الى الخليج.
يدرك العالم أجمع أن اسرائيل سلبت أرضا عربية دون حق، ولكنه لا يتحرك لإنصافهم، فهنا إسرائيلي مبدع يعيش في مناخ ديمقراطي ويحترم القيم الحضارية ولا يظلم أخاه، ولا يسرق المال العام ولو دولارا واحدا، وفي الجهة الأخرى، هناك عربي يذكر الله مئة مرة في اليوم، لكنه فاسد وعاجز عن إدارة بلاده بشكل ينصف الجميع وضعيف ويعيش بشخصيتين واحدة أمام المجتمع وواحدة في سره، ولا يأمن أحد غدره، فكيف للعالم أن يتحرك لنجدته ضد عدوه الذي ينتزع احترام العالم بأسره.
لا تزال الكتلة الحرجة بعيدة المنال، بل أن المستقبل لا يبشر بانفراج قريب، لأن مشاكل العرب تعيد إنتاج نفسها، ولا يزال العربي مربوطا بالساقية ويدور الى ما لا نهاية.