علي ثابت القضيبي يكتب:
حلحلة المُتكلّس في وعينا الجنوبي
تقتضي الضرورة تفتيت ركام ثقافة الأمس المتكلّسة في جدران ذاكرتنا ووعينا ، ولأنّ الزّمن طوى مسافات فلكيّة بمقاييس اللحظة والعصر ، وهي جَرفت أحداثاً وموروثاً وقوالب فكرٍ وممارسات .. إلخ ، بل غيّرت عوالم من حولنا جِذرياً ، حتى شكل العلاقات الإنسانية صبغتها بألوان طيف مُغاير لما عهدناه ، لكن نحن ما انفكينا نلقي مرساتنا الثقيلة في نفس البقعة وأسلوب التّفكير والخطاب !
نحنُ نستجرٌ الماضي بطريقة عرض المَلهاة التي تهزٌ الكوامن لكنها تدعو للبكاء ، وهي مَلهاة أصلاً ، كأن يقول أحدنا مثلاً : كان كيلو البطاطا ب ٣ شلن أيام الحزب ، وكان وكان ، نستعيدُ ذلك مصحوباً بزفرات الحسرة من دواخلنا على زمنٍ كان ، مع أنّ مفردات ومعطيات وقائعه مُغايرة تماماً لما نحن فيه اللحظة ، ولذلك لايخجل البعض من أن يبدي حُزنه على رحيل بريطانيا !
يمكن أن يكون هذا مقبولا من عامّي ، لكن يصدمك أن نفس المنطق لدى كثيرين ، بما فيهم مؤثرون في محيطنا ، ومن هؤلاء من يطالبك بالصّمت وأنت تبدي إعتراضا على هذا المنطق الأعرج ، أو أن يمارس المنافحة السخيفة بمنطقهِ الأرعن في جروبات وسائل التواصل ، وما أكثر هذا ، أو حتى يحظر عليك نشر رؤاك وإنتقاداتك الواقعية بهذا الصّدد ، أو أن تسرد نقدا موضوعياً غايته التقويم واصلاح الإعوجاج او النواقص ! هذا يُذكرني بحقبة السبعينات والثمانينات ، وفيها ألّهنا الحزب والسلطة ، وإعتبرناهما فوق كل نقد ، وكان ما كان بحقّنا .
شريحة كبيرة في مجتمعنا تتلذّذ حتى اللحظة بالتصنيفات المناطقية ، وهم يزكون ذلك بالوعيد بالثأرات ، والأدهى أنهم يغرسون هذا المنطق البغيض في أذهان الجيل البض ، هؤلاء لايتورّغون عن تصنيف هذا باليافعي وذلك بالبدوي والٱخر بالشبواني والضالعي والحضرمي وعرب ٤٨ والهندي والصومالي .. إلخ ! قراءة مقيتة للنسيج البشري الجنوبي ، خصوصاً للجنوبيين الذين يذوذون عن جنوبنا ويستميتون لأجله وقضيته ، ولماذا يحدث مثل هذا ؟ لأنّ هؤلاء يشعرون بأنّ الجنوب مجرّد إقطاعية خاصة بهم وحدهم وحسب ، مع أنهم لم يصنعوا شيئاً البتّة في مسار تأريخ الجنوب وتطوره وثقافته وفنونه وعمرانه وتفرده سابقاً عن كل جزيرتنا العربية !
كلٌ هؤلاء يتشّدقون برثاثة الإستقراء الذي يُدلل على دونيّة وتخلف الثقافة والوعي ، وايضاً الإرتهان الى منطق العصور السّحيقة التي غادرتها البشرية منذو أمدٍ ، ولذلك هذه الشعوب في الطليعة اليوم ، ويرفلون في نعيم التّعايش المتسامح والراقي سلوكاً ومعيشة و … و … ، ونحن ما انفكينا نطحنُ في بعضنا ، بل وبقسوةٍ ايضاً ، أليس كذلك ؟!