عريب الرنتاوي يكتب:
“الماء مقابل الكهرباء”.. وأشياء أخرى
سأقبل من دون تحفظ، الحجج التي ساقتها الحكومة لتبرير السير على خطى “اتفاقات إبراهام” وقبول الانخراط في التفاوض لإنجاز صفقة “الماء مقابل الكهرباء”، ولكن بشرط واحد فقط: أن يخرج علينا من صفوف هذه الحكومة من يقنعنا، بأن ثمة في إسرائيل من يحترم مصالح الأردن في أي حل نهائي للقضية الفلسطيني…أقول احترام مصالح الأردن ولم أتحدث عن تلبية حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة.
نحن منذ ربع قرن تقريباً، نردد ليل نهار وصبح مساء، بأن قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، هي مصلحة أردنية عليا، وخط دفاع أول عن الأردن وطناً وكياناً وهوية…هل ثمة في إسرائيل، حكومة ومعارضة، من يقبل أو يبدي الاستعداد للقبول المشروط حتى، بقيام “جدار الصدّ” هذا؟
نحن منذ حزيران 1967، نعتبر أن استرداد القدس أمانة في أعناق الأردنيين حكماً وحكومات وشعباً، فهي كانت تحت السيادة الأردنية (وكذا بقية الضفة الغربية) عندما جرى احتلالها إبّان “النكسة”، ويقع على كاهلنا أدبياً ومعنوياً، وطنياً وقومياً ودينياً، وزر استردادها، أو المساهمة في استردادها، للسيادة العربية، فهل ثمة مؤشر من أي نوع، على وجود رغبة إسرائيلية بالجلاء عن “درة العواصم العربية”؟…إبقاء القدس تحت الاحتلال موضع إجماع نادر في إسرائيل، ولعلها من الصدف الكاشفة، أن يتزامن الإعلان عن صفقة “الماء مقابل الغذاء” مع كشفٍ عن مشروعين استيطانيين يكملان عزل القدس عن باقي الضفة ويشطران الأخيرة إلى جزئين منفصلين، ببناء 12500 وحدة استيطانية في مطار قلدنيا والمنطقة المعروفة باسم E1.
نحن ملتزمون بالرعاية الهاشمية للمقدسات، المتوارثة كابر عن كابر، فيما حكومة بينت – لبيد، تضاعف عدد وعديد الانتهاكات والمنتهكين لحرمة المسجد، والمستوى السياسي والقضائي في إسرائيل يجيز “الصلاة الصامتة” لليهود في الحرم القدسي، توطئة للصلوات الصاخبة والتقسيم الزماني والمكاني لثالث الحرمين الشرفين، وبصورة تضرب عرض الحائط بكل اتفاقاتنا وتفاهماتنا السابقة معها.
نحن إذاّ، في مسار مواجهة مع إسرائيل، ولسنا أبداً على طريق “استرداد الثقة”…من المنطقي الافتراض أن الدفاع عن أعمق وأهم مصالحنا الوطنية العليا في فلسطين وقدسها ومسجدها يضعنا عاجلاً أم آجلاً، على “خط نار” مع هذا الاحتلال المدجج بالعنصرية والغطرسة والشهية المفتوحة للضم والتوسع، فهل من الحكمة والحالة كهذه، أن نعمق من “اعتماديتنا” على إسرائيل، وفي قطاعات استراتيجية وحيوية مثل الطاقة والمياه؟…هل سُدّت في وجوهنا كافة السبل والخيارات والبدائل؟…وهل صحيحاً ما قاله النائب خليل عطية عن تجفيف السدود وتغوير الآبار وردمها، لم يكن سوى توطئة “نفسية” للكشف عن هذه الصفقة /الصفعة؟
وهل من النباهة في شيء، ونحن نتحدث في قضية أمن وطني ومستقبل وطن وكيان، أن تجري المفاضلة بين ناقل وطني استراتيجي ومشروع تطبيعي معروفة أغراض ومرامي رعاته ومموليه الذين يمنعنا قانون “تعكير صفو العلاقات..” من ذكرهم بالاسم؟…وهل يمكن الركون إلى حسابات صغيرة من نوع أن مصادر المياه من المتوسط أقرب إلى حواضرنا السكنية من مصادرها على البحر الأحمر؟…أي تفكير هذا؟
لو أن قلوب الأشقاء والأصدقاء على الأردن ومياهه، لسارعوا إلى تقديم العون لنا لإنشاء محطة التحلية وإنتاج الكهرباء من الشمس، على أرضنا، وتحت سيادتنا وبخبراتنا وخبراتهم، وأموالنا وأموالهم، فإن عزّ المال على حكومتنا، ستجده لدى قطاعنا الخاص وفق معادلات ربحية معقولة ورشيدة…ولكن من حقنا السؤال: لماذا الزج بإسرائيل رغماً عنّا في مشاريع حيوية تطاول أمننا واستقرارنا؟
جرحنا الوطني ما زال نازفاً جراء صفقة الغاز، لتأتي صفعة “الماء مقابل الكهرباء” فتثقل على صدورنا وأرواحنا، ولولا بسالة طلبتنا الجامعيين ونجاحهم في إسقاط مشروع التطبيع الأكاديمي، لكانت جراحنا أكثر غوراً وألماً.