د. عيدروس النقيب يكتب:
“حرب العصابات” في أبين
في الصيف الماضي وأثناء زيارتي لعدن قررت زيارة أبين لقضاء أيام عيد الأضحى بين أولادي وأحفادي، واللقاء بكثير من الزملاء والأصدقاء ممن لم أرهم منذ نحو عقد من الزمان.
والحقيقة أنني لم أعر اهتماماً للتحذيرات التي تلقيتها من كثير من الزملاء والمتعلقة بسوء الوضع الأمني ومخاطر العمليات الإرهابية التي كانت آخرها قبل أيام من عيد الأضحى.
وعموماً وصلت أبين وكانت أيام جميلة، لكنني تفاجأت وفي أول ليلة وحينما تمددت للنوم، بوابل من النيران ليس بعيداً جداً عني، وهنا بدأت أحس بأن تحذيرات الزملاء لم تأتِ من فراغ بل وبلغ بي الظن أن الخطة التي تستهدفني قد بدأ تنفيذها، لكنني تجاسرت على نفسي وتصنعت اللامبالاة، بينما توقف إطلاق النار خلال أقل من نصف ساعة.
في الصباح سألت عن كنه الحادثة، لكن الجواب جاء من خلال المواقع الإلكترونية التي تحدثت عن مواجهة مسلحة بين جماعتين حكوميتين مهمتهما فرض الأتاوات على سيارات النقل الثقيل التي تمر من عدن عبر أبين إلى لودر ومودية ومديريات شبوة حتى حضرموت والمهرة، وأن إحدى الجماعتين تعدت على نقطة هي من حق الجماعة الأخرى.
في المقيل الذي زارني فيه عدد من الزملاء والأحباب تصدى أحد الظرفاء لتفسير ذلك قائلا: “يا دكتور أنت لا تعرف التفاصيل، هذه حرب عصابات” وكرر كلمة “عصابات” عدة مرات1.
تذكرت هذه الحادثة اليوم وأنا أسمع الأنباء عن المواجهة المسلحة التي شهدتها مدينة شقرة الأبينية، والتي اتضح أنها دارت بين جهازين أمنيين حكوميين تابعين لشرعية الرئيس هادي وأعوانه.
تقول الأنباء الواردة من أبين أن المواجهة المسلحة في مدينة شقرة الجميلة قد خلفت عدداً من القتلى وعشرات الجرحى، وبين كل هؤلاء مواطنون مدنيون لا علاقة لهم بأي من المجموعتين المتواجهتين.
ربما لا يبدو مهماً إن كانت المواجهة المسلحة بسبب غنيمة يتنازعها زعيمي العصابتين، أو نقطة جباية من تلك التي تدر عشرات الملايين على أصحابها في الليلة الواحدة، يدعى كل منهما تبعيتها له أو تكون المواجهة المسلحة بين أتباع الرئيس وأتباع النائب، لكن المهم هو ما ذنب المواطنين الآمنين الذين أصابهم الذعر والخوف وربما فقد البعض منهم أرواحهم أو دماءهم جراء طيش الطائشين وتهور المتهورين.
المصيبة الأكبر أن القتل المتبادل يأتي بين أنصار الشرعية “المؤتمنين” على حماية أرواح وممتلكات الناس، والأهم أنهم ليسوا من تلك “المليشيات” (المدعومة إماراتياً ولا إيرانياً) والله وحده يعلم من أين مدعومين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 “حرب العصابات” تعبير ثوري كان يستخدم في زمن الثورات الشعبية ضد الاستعمار والأنظمة الديكتاتورية، ويتم فيها شن هجمات من قبل فرق متخصصة لإلحاق أكبر الخسائر بالعدو.