ومهما تكن الخيارات المستقبلية للولايات المتحدة تجاه إيران، ومهما تكن أيضا التصورات الأوروبية المستقبلية أيضا لما يمكن فعله مع طهران، فإن هناك طرفا آخر لا بد من أخذ تصوراته هو أيضا في حال نجاح أو فشل تلك المفاوضات، وهو الجانب الإسرائيلي.
فقد نقلت وكالات الأنباء قبل يومين طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت من واشنطن إيقافا فوريا للمحادثات الجارية في فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث قالت رئاسة الوزراء الإسرائيلية في بيان إن "إيران تمارس ابتزازا نوويا كأحد تكتيكات إجراء المفاوضات، والرد المناسب يكون بإيقاف المفاوضات فورا واتخاذ خطوات صارمة من الدول العظمى".
وهنا يرد السؤال المباشر: ماذا تريد إسرائيل من الولايات المتحدة في هذا الملف "المصيري"؟
يمكن القول قبل الإجابة على هذا التساؤل إن إسرائيل تقف على الدوام في حالة ترقب في كل جولة تعنى باستئناف المفاوضات التي تستهدف عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، فقد فشلت من قبل في منع الولايات المتحدة (أثناء ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما) من الوصول إلى هذا الاتفاق عام 2015، لكنها نجحت خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب في إقناعه بالانسحاب منه عام 2018.
واليوم وبين الفشل والنجاح، تعود إسرائيل للمربع الأول مجددا، حيث تكرر فشلها عندما أصر الرئيس جو بايدن على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إيران لإعادة بلاده للاتفاق، لكن ما الأوراق التي تمتلكها إسرائيل في هذا الشأن وتحاول إقناع الولايات المتحدة بها؟
في الآونة الأخيرة أشارت عدة تصريحات لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين إلى توتر العلاقات بين الجانبين على خلفية عدد من الملفات، ومن أهمها بالطبع الاتفاق النووي الإيراني وحظر شركتين إسرائيليتين في الولايات المتحدة لتورطهما بوقائع تجسس خطيرة، فضلا عن تفاصيل تتعلق بوضع إسرائيل منظمات فلسطينية مدنية بقوائم الإرهاب، واستئناف المخططات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية والتوقف عن استئناف عملية السلام مع الفلسطينيين.
كذلك فإن وضع شركتي "إن إس أو" و"كانديرو" الإسرائيليتين على القائمة السوداء الأميركية، كان خطوة موجهة بالأساس إلى حكومة إسرائيل، التي تمنح ترخيصا مفصلا للشركتين في أي صفقة، حيث إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم برامج الشركتين.
في الملف النووي تحاول إسرائيل حاليا إيقاف المفاوضات عبر شن حملة مكثفة في المؤسسات الأميركية لإقناع المسئولين هناك بضرورة وضع شروط صعبة أو تكاد تكون مستحيلة مقابل عودة واشنطن للاتفاق، مثل إلزام إيران بالتخلي عن كمية اليورانيوم التي خُصبت خارج الاتفاق الأصلي، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي التي أضيفت ردا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وعدم إلغاء العقوبات المفروضة على إيران سواء التي بقيت بعد توقيع الاتفاق عام 2015، أو تلك التي أضيفت بعد قرار ترامب بالانسحاب منه.
أيضا هناك قناعة إسرائيلية بأن إيران لن تقبل بالعودة إلى الالتزامات المفروضة عليها في الاتفاق من دون أن تحصل على مقابل تبرر به للرأي العام الإيراني مثل هذه الخطوة.
وترجح تقديرات الخبراء الإسرائيليين أن المفاوضات ستفشل في النهاية بسبب تعارض المواقف بين واشنطن وطهران، وأن إسرائيل ستحقق جزءا من مطالبها التي تتجاوز عودة الولايات المتحدة للاتفاق، حيث تهدف بالأساس -وحتى من قبل توقيع الاتفاق عام 2015- إلى تشديد العقوبات على إيران، والتهديد باستخدام القوة من قبل واشنطن لمنعها من المضي قدما في مشروعها النووي.
هنا في واشنطن سمعت من أكثر من صحفي أن تدهور العلاقات الأميركية الإسرائيلية لم ينجم عن "سوء فهم" وضغينة فقط، وإنما، وربما بالأساس، بسبب عمليات عسكرية وأمنية إسرائيلية رأى الأميركيون أنها تتعارض مع مصالحهم، خاصة أن إسرائيل لم تنسق مع الأميركيين حيالها وقد أكدت هذا الأمر صحيفة "يديعوت أحرونوت" صباح الجمعة حيث قالت إن الادارة الأميركية نقلت لمسؤولين إسرائيليين رسالة عاجلة تعارض فيها إقدام الموساد على مفاجأتها بتنفيذ عمليات سرية داخل إيران خلال المفاوضات النووية في فيينا.
على الدوام تتهم إسرائيل الولايات المتحدة بأنها تفكر بجدية باتفاق نووي مرحلي، يقضي بتخفيف العقوبات على إيران مقابل إبطاء تقدم البرنامج النووي.
وبالنسبة لإسرائيل، هذا أسوأ سيناريو، فإيران ستحصل على منافع اقتصادية كبيرة، وتكاد لا تتنازل عن أي شيء في برنامجها النووي.
وهنا يأتي تحذير إسرائيل للقوى العالمية من أن رفع العقوبات يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري ضد إيران، حيث حذرت تل أبيب من أنه إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات وفق ما هو وارد في الاتفاق النووي لعام 2015، فإن إيران قد تبلغ العتبة النووية في غضون 6 أشهر، وعندها قد تجد إسرائيل أنه من الضروري اتخاذ عمل أحادي.
أما في حالة نجاح المفاوضات فسيكون الوضع بالنسبة لإسرائيل أكثر سوءا، لأن الاتفاق الأصلي لم يكن ليمنع إيران من تصنيع السلاح النووي.
في النهاية لن يتأثر في رأيي الالتزام الأميركي بحماية أمن إسرائيل، لكن تبقى المنطقة على شفا الحرب كل ساعة في حال لم تكن نتائج تلك المفاوضات في فيينا على الهوى الإسرائيلي.