د. ساسين عساف يكتب:
التشبيك الإقليمي والدولة القومية الإتّحادية
هذا العنوان يطرح السؤال حول ماهية الدولة القومية. هل هي دولة وحدوية أم دولة إتحادية؟
يبدو أنّ واقع الأقطار الراهن والمفكّك ينحو بنا إلى التفكير بالدولة الإتحادية.
هذه الصيغة تساوي نظرياً بين جميع الأقطار. في حين أن واقعها قد يبقيها خارج هذه الصيغة، كما كما أبقاها، بالتجربة، خارج الصيغة الوحدوية فبدت إعتداء على الطموحات العربية والمستقبل العربي.
هذا هو مأزق الوحدوية المجرّبة والإتّحادية المفترضة.
كيف الخروج إلى الحل؟
الجواب، في رأيي، قد نجده في التشبيك الإقليمي الذي تتّحد فيه مجموعة أقطار تتكامل فيما بينها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً... بالإستناد إلى الوقائع الجغرافية والتاريخية الخاصة بالأقاليم الأربعة التي تشكل الوطن العربي فتعتمد سياسة التشبيك التكاملي في كل إقليم وتكون نقطة إرتكاز للسياسات القومية.
بهذه الصيغة نكون قد أدخلنا الكيانات القطرية في مرحلة استعدادية لتشكيل الدولة الإتحادية العربية. العامل الجغرافي/ التاريخي/الإقتصادي هو الأساس في رسم التمايزات بين إقليم عربي وآخر. وهذه التمايزات موجودة في غير منطقة من العالم غير أن الآخر وجد لها حلاً سياسياً على قاعدة تشبيك المصالح. أما نحن فكنّا نبحث عن الحل خارج المعطى الجغرافي/ التاريخي/الإقتصادي، وبالانقلاب على قاعدة المصالح وتطبيق القاعدة المعكوسة. كنا نبحث عنه في الدوائر الفكرية والإيديولوجية والرغبة في التسلط والهيمنة.
التمايزات بين الأقاليم الجغرافية ليست عيباً في التكوين الإجتماعي أو البنيوي إنما النقص هو في التغاضي عنها وفي عدم الإعتراف عمداً بوجودها وفي عدم التعامل معها بوصفها قابلة للتفاعل وقابلة لأن تكون عامل إغناء وتقوية للبنية القومية.
صيغة التشبيك التكاملي تحمي التنوع الحضاري وتجمع قواه وتدفع بها في اتجاه الوحدة. هذا اذا كان المطلوب الوحدة في التنوّع.
التشبيك بين لبنان وسوريا والعراق قاعدة هذا الطرح.
الإستعمار جزّأ الأمّة العربية كيانات ضعيفة. وحقائق التاريخ تثبت ذلك. ولكن من باب التدقيق في مصطلح الأمّة التي كانت موحّدة فجزّأها الإستعمار نقول: صحيح إنّ الأمّة العربية كانت موحّدة في معنوياتها وغير صحيح أنّها كانت موحّدة في مادياتها. كانت موحّدة في ظلّ السلطنة العثمانية. وقبل حكم السلطنة كانت مجزّأة إلى دويلات. يكفي أن نذكّر بالدويلات التي نشأت بعد إنهيار مركزية الدولة العباسية في بغداد وبدول ملوك الطوائف الستّ والعشرين التي نشأت بعد إنهيار مركزية الدولة الأموية في الأندلس. صيغة الدولة/الأمّة عرفها العرب منذ دولة المدينة التي أنشأها الرسول عليه السلام حتى ما قبل إنهيار الخلافة العباسية. مبتغى هذا الكلام تأكيد المؤكّد بأنّ الإستعمار إحتلّ أرض الأمة الواحدة على أنقاض السلطنة وتركها مجزّأة كما كانت قبل قيامها.
وعليه، إنّ أيّ وحدة عربية شاملة لجميع الأقطار أو جامعة بين قطرين أو أكثر تتجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا مستندة إلى وحدة الأمّة في معنوياتها فقط تبقى معرّضة للإهتزاز والإنفكاك في ايّ لحظة. لذلك إدراكاً منه لحقائق التاريخ والجغرافيا ولتعدّد مكوّنات ولتجارب وحدوية لم تصمد طويلاً نقترح أن تقوم بين أقطار الأقاليم الأربعة صيغة التشبيك التكاملي الذي يفترض:
- وعي المسار التاريخي المفضي حتماً إلى وحدة مصير.
- وعي المصالح الإقتصادية المتكاملة والمفضية حتماً إلى التنمية المستقلّة.
- وعي خطورة المشاريع المعدّة للوطن العربي بهدف احتيازه والسيطرة عليه ونهب ثرواته منها ما هومنفّذ بالإحتلال ومنها ما هو قيد التنفيذ بالإحتواء وله تابع، وهي مشاريع لا يمكن التصدّي لها بإمكانات قطرية وضيعة.
- وعي ما للقضية الفلسطينية في حال بقائها "قضية" متروكة لأصحابها من تداعيات كارثية على أي فكرة ذي هدف قومي وبخاصة فكرة الوحدة.
- وعي المتغيّرات الدولية والإقليمية لجهة صعود قوى وهبوط أخرى وما تدفع إليه من صراع على مناطق النفوذ ومن تبدلات في المصالح والمواقع ومن توافقات تطيح بالأضعف وتبقي على الأقوى. الكيانات القطرية بما هي عليه في المشرق العربي كما في المغرب العربي هي ساحات مفتوحة لشتّى أنواع الإطاحة والإستباحة.
بناء على هذه الإفتراضات يبدو التشبيك التكاملي بين أقطار الإقليم الواحد أمراً ممكناً ولكن بشرط له وجهان إعتباري وسياسي عنوانه العروبة هويّة جامعة حاضنة للهويات الفرعية.
هذه الصيغة التكاملية تشكّل التمهيد الحتمي فكرياً وعملياً لقيام الدولة القومية الإتّحادية.
هنا، وربطاً بالراهن العربي تطلع علينا الوقائع بألف سؤال وآخر حول ما يتوافر لها من فرص النجاح ما يحدونا على التأكيد مرّة أخرى أنّ هذه الطروحات وأمثالها في التشبيك والإتحاد بدأت تنمو في أذهان الكثيرين من مثقّفي الأمّة وبات ينمو معها الطموح إلى حدود ملامسة أرض الواقع بضغط شعبي شعاره الدائم الوحدة ثم الوحدة ثمّ الوحدة..