د. عيدروس النقيب يكتب:

نصيحة لسارقي الفرح

لم أكن أنوي الخوض في الجدل الدائر حول نتائج مباريات مونديال كرة القدم لناشئي دول غرب آسيا وما تمخض عنه من فوز مميز لفريق الناشئين اليمنيين على الفريق السعودي الشقيق، لولا أن العديد من المنهزمين نفسيا ممن يبحثون عن أي فرحة تتسلل إلى قلوب البسطاء من أبناء البلد  حتى ينقضوا عليها ويذهبون ليداروا بها هزائمهم المزمنة وخيباتهم الأبدية، السياسية منها والأمنية والأخلاقية والمعنوية، وهو أمر معروف لدى علماء النفس يقوم على أن صاحب الشعور بعقدة النقص لا يتورع عن اصطناع أية ميزة يعتقد أنه محروم منها لينسبها لنفسه حتى ولو اضطر إلى المحاكاة الزائفة لبعض من يتميزون بهذه الميزة ، فالجبان يدعي الشجاعة واللص يدعي النزاهة والغبي يدعي الذكاء، وكل محروم من ميزة يدعي حيازته، بل واحتكاره لها.
شخصيا فرحت لفوز الفريق اليمني ومباشرة كتبت منشورا على هذه الصفحة معبرا عن ابتهاجي بالنتيجة المبهرة التي حققها أولائك الشباب الناشئون غير الملوثين بقاذورات الانتهازية وأوساخ الفساد والفاسدين، ومن باب الدعابة تمنيت لو يكلف هذا الفريق بإدارة السياسة والاقتصاد في البلد ليصنع الفوز الذي أخفق السياسيون في صناعته، مثلما صنعه في ميدان المباراة مع فريق أمضى شهورا يتدرب وفي ظروف لا ينقصها شيء من متطلبات التفوق.
من حق الجميع أن يفرح بما قدمه فريق الناشئين، لكن ليس من حق أحد أن يصادر الفرحة على غيره من خلال حشر النتيجة في تمنياته البائسة، وقد قرأت للكثير من الخائبين الذين لم يدعوا حزباً ولا تياراً سياسياً إلا وانتموا إليه ثم خرجوا منه وذهبوا إلى نقيضه،  .  .  ، قرأت لهم وهم يتغنون بأن وحدة اليمن قد عادت بفضل مباراة فريق الناشئين اليمنيين مع الفريق السعودي وفوز الفريق اليمني بالنتيجة.
فوز الفريق اليمني للناشئين لا يعني شيئا للصراعات العسكرية والسياسية والفكرية في هذا الإقليم إلا من زاوية أنه يفتح كوة صغيرة للفرح بعد أن ظن الناس بأن الفرح صار من الماضي أما القول بأن "المبارة" قد "وحّدت اليمن"، أو إن الاحتفاءات الجماهيرية العفوية قد مثلت استفتاءً على "وحدة اليمن"، فهو لا يعدو أن يكون نوعاً من خداع الذات والضحك على عقول ناقصي العقول.
لقد احتفى الحوثيون في صنعاء بالفوز مثلما احتفى به الجنوبيون في معظم محافظات الجنوب، وطبعا احتفت به شرعية الخارج في مهجرها الباذخ، فهل هذا يعني أن الحوثيين والشرعية توحدوا، وهل ألغت نتيجة المباراة فتوى إباحة دماء وأرواح وأملاك الجنوبيين التي أصدرها الوزير الديلمي في حكومة 1994م، وهل ألغت نتيجة المباراة ما تعرض له الجنوب من سياسات النهب والاستحواذ والإقصاء والتحقير والتكفير، وهل أعادت المباراة ارواح عشرات الآلاف من الشباب الجنوبيين الذين سقطوا على أيدي قوات 7/7 طوال فترة ثورة الحراك السلمي المجيدة، وهل أعادت إعمار الجنوب وألغت التدمير الذي تعرض له الجنوب والجنوبيون على مدى أكثر من ربع قرن.
يا هؤلاء!
نعلم أنكم تتصنعون الذكاء الخادع لتكذبوا به على أنصاركم الذين أحبطتهم خيباتكم وأوصلتهم إلى الاقتناع بأن الرهان عليكم هو كالرهان على فوز الفرس الأعرج في سباق الخيول الأصيلة، لكن ادعاءكم بأن "اليمن قد أعاد الوحدة" هو أول اعتراف بأن (الوحدة) قد انتهت وما (عادت)(كما تزعمون) إلا بفضل هذه المباراة.
ولو كانت "إعادة وحدة اليمن" تتحقق بمباراة لكرة القدم أو بعشر أو مائة مباراة لما بخلتم بمثلها، لكنكم تعلمون أن الكائن الحي إذا ما خرجت روحه من جسده، وخسر فرصة البقاء على قيد الحياة لا يمكن أن يعود ولا بآلاف المبارايات.
أنا من مشجعي الفريق الوطني المصري على الصعيد العربي، والفريق الإنجليزي على الصعيد الأوروبي، وفريق الأرجنتين على الصعيد العالمي، ومثلي الملايين من مشجعي فرق وطنية في غير بلدانهم فهل هؤلاء الملايين توحدوا مع البلدان التي يؤيدون منتخباتها الوطنية، أم أن الاستهبال والعبث بعقول الناس هو ما يدفعكم إلى هذه الدرجة من الوسواس القهري والـــ Mania السياسية.
نصيحتي لكل هؤلاءِ إن استمتعوا مثلما استمتعنا جميعا بهذا الفوز الرائع الذي صنعه شباب اليوم غير الموبوئين بما أصابكم وغير الملوثين بما تلوثتم به، ولا تفسدوا عليهم بهجتهم التي هم أولى باختيار طريقة الاحتفاء بها، وكفوا عن الهراء في ما لا شأن لكم به.
وكفى