د. عيدروس النقيب يكتب:
كله بسبب المجلس الانتقالي
تقول الحكاية العربية المتداولة: "إن ما يحزن الشجرة ليس أن الفأس تقطع فيها، ولكن لأن عصا الفأس هي مقطوعة من أحد فروعها".
فعندما يقف الابن على رأس من يتسببون في إيذاء الأم وإهانة كرامتها تبلغ المأساة ذروتها، وحينها لا يلام أعداء هذه الأم على ما تسببوا به لها طالما كان نجلها وفلذة كبدها هو من قادهم إلى ما تتعرض له من أذىً وعذاب.
ذلك هو ما حصل مع محافظة شبوة في العام 2019م، وما حصل مع كل الجنوب في العام 1994م، فقد انفرد قلة من أبناء شبوة وتوزعوا بين القوتين المتطرفتين المنتشرتين بين صنعاء واسطنبول، واللتين تتنافسان على السيطرة على المحافظة والتحكم بمصيرها ومستقبل أبنائها والهيمنة على ثرواتها ومواردها وألحقوا بالمحافظة ما ألحقوا من الأضرار المادية وهي الأهون والبشرية والنفسية والاجتماعية وهي الأشد قسوةً وأثراً، لأن مداواتها وتضميد جراحها تتطلب زمناً قد لا يكون قصيراً.
منذ أسابيع كان كاتب هذه السطور قد كتب منشوراً على هذه الصفحة بعنوان: "لماذا سقطت بيحان ولم تسقط الضالع؟"
ويومها انهالت عليَّ عشرات الردود المتشنجة المصحوبة بموجة الهستيريا الحادة والافتراءات السياسية الفجة من (زملاء) سياسيين في البرلمان اليمني تلخصت جميعها بأن سبب سقوط بيحان بمديرياتها الثلاث هو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقف ضد السلطة المحلية في المحافظة، وكل هؤلاء يعلمون أن قيادات المجلس الانتقالي وناشطيه وقادة وجنود قوات النخبة الشبوانية المحسوبة على الانتقالي كلهم عرضة للملاحقة والمطاردة والتنكيل والتصفيات الجسدية، من قبل السلطة المحلية التي سلمت بيحان بمديرياتها الثلاث للحوثيين دون أن تطلق طلقةَ رصاصٍ واحدة دفاعا عن بيحان، وأن هذه السلطة وأجهزتها الأمنية لو بذلت في مقاومة الحوثيين ربع ما تبذله من الجهد للتنكيل بأبناء شبوة لهزمت الحوثيين وأخرجتهم من كل شبر على أرض شبوة في أقل من أسبوع واحد، بل لما سمحت لهم بالدخول متراً واحداً من هذه الأرض.
لكن التخادم وتبادل المصالح بين الطرفين (الشرعية في شبوة والحوثيين في مأرب)، هو ما جعل سلطات شبوة، المهيمن عليها من قبل قوى غريبة عن أرضها وبعيدة عن مصالح أهلها هو ما يجعل تلك السلطة ترى في الحوثيين شقيقاً أقرب إليها من الجنوبيين.
لا يمكن القول بأن معركة تحرير شبوة قد انتهت، فالمهمة ما تزال في بدايتها، وأن عملية تحرير مديرية عسيلان والاتجاه صوب مديريتي عين وبيحان المدينة لن تكون إلا البداية، لكنها بداية مبشرة وعلى القوات الجنوبية ممثلة بألوية العمالقة، وقوات النخبة الشبوانية التي استأنفت نشاطها اليوم، بعد أن توهم الواهمون بأنها قد صارت في خبر كان، أقول على هذه القوات أن لا تستهين بقدرات القوات الحوثية وخِدَعها الماكرة التي ليس أولها القصف بالباليستي وليس آخرها تلغيم الطرقات والمدن والقرى وحتى الصحاري.
بالنسبة للقوات الشمالية التي زحفت على شبوة في العام 2019م لتؤكد أن شبوة ما تزال تحت الاحتلال فأمرها ليس عسيراً لأنها أمام خيارين: إما أن تنسحب للدفاع عن مأرب وتحريرها والوفاء بوعد قادتها برفع علم الجمهورية اليمنية في مران، وسيكون انتصار القوات الجنوبية على الحوثيين في بيحان نقطة موجبة لصالحها (أي لصالح القوات الشرعية الشمالية)، وإما أن تقاتل مع الحوثيين ضد القوات الجنوبية، وهو أمر غير مستبعد، وفي هذه الحالة سيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، للذين ما يزالون يعتقدون بأن القوتين متعاديتين فعلاً، وإن كان الأمر بالنسبة لمعظم الجنوبيين بائنا بما لا يدع مجالا للارتياب أو اللبس.
وقبل الختام:
لا يمكن إنكار أن اجتياح شبوة في العام 2019 قد جاء بمساعدة أفراد وقادة من أبناء شبوة، (وإن كانوا قليلي العدد وضعيفي الحضور والحظوة) وهؤلاء اليوم أمامهم خياران لا ثالث لهما: إما الوقوف في صف شبوة والجنوب ومؤازرة إخوانهم في النخبة والعمالقة حتى تحرير شبوة كاملةً، وإما استمرار الرهان على المشاريع الخائبة للهاربين من مواجهة الحوثي إلى مواجهة الجنوب وفي هذه الحالة سيحكمون على أنفسهم بالانتحار الطوعي حتى وإن عفا عنهم إخوتهم الشبوانيون والجنوبيون عموما، والخيار لهم.
وأخيراً:
أختتم حديثي هذا بسؤال: هل سألنا أنفسنا، كم من الوقت مر على احتلال مديريات بيحان الثلاث من قبل القوات الحوثية دون أن تُطْلَق عليها طلقة واحدة، من قبل فيالق جيوش الشرعية الجرارة، وفي يوم واحد تسقط مديرية عسيلان بأيدي القوات الجنوبية (العمالقة والنخبة الشبوانية) والبقية تأتي؟
وسؤال أخير: هل ما يزال الذين اتهموا الانتقالي بأنه وراء سقوط بيحان بيد الحوثيين مصرين على قناعتهم هذه؟
أترك الإجابة على السؤال لذكاء القارئ الكريم.