حسين الرواشدة يكتب:

المملكة الأردنية.. مشروع التحديث.. قاعدة المعارضين تتوسع

فكرة “المجتمع غير جاهز للتعاطي مع الإصلاح” أصبحت “لازمة” على لسان المسؤولين، بعضهم اعلن ذلك امام الملأ مقترحا مهلة ‏20 عاما كفترة كافية لنضوج الأردنيين ، آخرون يرون أن المجتمع ما زال يتوجس او يتمنع عن قبول مبادرات التحديث السياسي ، بدليل انه كلما طرحت مبادرة وجدت من يوجه إليها الاتهامات ، او يعتبرها مؤامرة ضد البلد .
هل يبدو هذا الطرح وجيها ؟ الإجابة تحتمل مسألتين ، إحداهما أن المجتمع ما زال مختلفا على وصفة الإصلاح ، أو أن بعض القوى الفاعلة فيه غير جاهزة لتحمل تكاليفه ، كما أن الوسائط السياسية ما تزال ضعيفة ومشتتة ، وبالتالي فإن قابلية المجتمع لامتصاص موجات التحديث السياسي تبدو متواضعة .
اما المسألة الثانية فهي أن الدولة بموسساتها تتحمل مسؤولية ذلك ، وربما يتقصد بعض المسؤولين فيها أن يظل المجتمع بهذه الصورة ، ليس فقط من خلال زراعة ما يلزم من ” أفخاخ ” لتفريغ أي مبادرة للاصلاح من مضامينها ، وإنما أيضا من خلال إدامه النزاعات داخل المجتمع ، لتخويفه من الإصلاح ، بموازاة الترويج لفكرة مفادها ان أي تحول ديمقراطي منشود ،يتعارض مع مصلحة النظام السياسي ، وربما مصلحة الدولة أيضا .
بين فكي “تمنع “المجتمع عن قبول وصفات الإصلاح ، و تعمد طبقة من المسؤولين إعاقته ، لدي عدة ملاحظات يمكن أن تضيء المشهد العام لرؤية مؤشرات التشكك وربما الرفض التي تراود الأردنيين الآن حول مشروع التحديث السياسي .
الملاحظة الأولى : ان ما جرى خلال الفترة الماضية من ردود شعبية ، عكستها استطلاعات الرأي ، وصولا الى مناقشة البرلمان لمشروع التعديلات الدستورية ، ولدّ مزيدا من التشكيك وتراجع الثقة بالمشروع ، خاصة بعد ان استبسلت بعض الجهات التي تتلقى تمويلا من الخارج بالدفاع عن بعض التعديلات الدستورية والمطالبة بتعديل المزيد من القوانين. مستقبلا ، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الاسرة والمرأة.
الملاحظة الثانية : استمرار بعض الممارسات الرسمية التي تتناقض بشكل لافت مع مشروع التحديث واهدافه ، ولدى كل واحد منا عشرات الأمثلة على ان ما تمارسه بعض مؤسساتنا الوطنية الآن لا يمكن فهمه الا في سياق واحد ، وهو انها لا تفكر بموضوع الاصلاح ولا يهمها مصيره.
الملاحظة الثالثة: البطء بتحديد برنامج زمني محدد وواضح للاصلاح، يستند الى ضمانات حقيقية لا مجرد وعود ، ثم الرهان على عامل الزمن ، وهو رهان اصبح مكشوفا ، يبعث برسالة للشارع فحواها ان ما يجري ليس اكثر من محاولة لامتصاص احتقانات الناس، وعبور المرحلة الى حين عودة الاوضاع الى ما كانت عليه.
الملاحظة الرابعة : ان ما شهدناه في الايام المنصرفة من عراكات واشتباكات داخل البرلمان ، ومن سجالات وجدل حول موضوعات حساسة جدا، منها ما يتعلق بهوية الدولة وشكل نظامها السياسي ، ثم تصاعد مخاوف ما يترتب على التعديلات من استحقاقات تمس تقاليد المجتمع وأمنه الديني ، يعني امرين على الاقل: احدهما ان ثمة اخرين دخلوا على خط مشروع الاصلاح في الاردن، ولديهم اجندة مجهولة حتى الان ، وبالتالي فاننا امام حالة جديدة من خلط الاوراق يفترض ان ننتبه اليها ونتعامل معها بحذر.
اما الامر الثاني فيتعلق بمحاولات تجري للربط بين الاصلاح كشأن داخلي وبين اجندات خارجية وقضايا في الاقليم لها علاقة ببلدنا، وقد يفهم من محاولات الربط هذه تمرير خيارات محددة، او الضغط باتجاه اتخاذ مواقف تقترب او تتماهى مع الخرائط المعدة سلفا لترتيب الاوضاع بالمنطقة.
تبقى الملاحظة الاخيرة ، وهي غياب الحوار الحقيقي الذي يؤسس لعملية الاصلاح، اقصد الحوار مع الناس أو النخب الممثلة للمجتمع ، حول مسائل مركزية تشكل الأرضية المطلوبة لاية مرحلة انتقالية ، مثل قضية المواطنة والهوية والمستقبل، التي قد يشكل العبث بها قنابل تفجير سياسي او فزاعات تخويف ، والمطلوب هنا ليس فقط حماية مجالاتنا الدينية والاجتماعية وانما تطمين المجتمع وتحريره من الهواجس التي ربما تشكل لديه قناعات تتعارض مع ما يطرحه المروجون لمشروع التحديث .
تحتاج هذه الملاحظات بالطبع لتفصيل اكثر ارجو ان تتوجه اليه نقاشاتنا العامة، لكن المهم الآن هو الخروج من دائرة الشك حول الاصلاح ومستحقاته، والجدل حول ماهيته ولونه، والدخول – على وجه السرعة – لتوضيح معالمه ،و حشد ما يلزم من توافقات وطنية عليه..
هذا لن يتحقق بمجرد تحسين الصورة او بمنطق « فليحسن النطق ان لم تحسن الحال « وانما بتوافق الجميع للجلوس على طاولة حوار حقيقي يفضي بالضرورة لبناء مرحلة انتقال ديمقراطي مقنع، ويؤسس لمشروع دولة القانون والمؤسسات والمواطنة الحقة بحيث يطمئن الجميع الى مستقبلهم ويثقون بما انجزوا.. لانهم شركاء فيه.
مشروع التحديث السياسي الان على المحك. ويواجه موجة عاتية من التشكيك والرفض ، واذا لم تتحرك الدولة لتقديمه بشكل افضل، وتحريره من الحمولات الزائدة التي اضيفت اليه ، او تعمدت اعاقته وتحويل مساره ، فان النتيجة ستكون اعلان نعيه ، تماما كما حصل مع مشاريع الاصلاح التي سبقته.