أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
شبوة.. جهاز كشف الكذب الذي فضح «الإخوان»
قُدر لمحافظة شبوة أن تقوم بدور "جهاز كشف الكذب"، الذي قدَّم تقريراً دامغاً ومفصلاً عن "أدوار الخيانة، التخاذل، والتخادم الذي قامت به سلطة "الإخوان المسلمين"؛ مُمتدة الجذور ما بين مأرب وشبوة إلى قلب صناعة القرار في جسد "الشرعية" المُتخم بـ "الفساد" واللامسؤولية.
لقد مرَّت سنوات عديدة منذ أن بدأت حقيقة هذه الجماعة ودورها الخطير والمُدمر كلياً لأهداف عاصفة الحزم تتكشف، وخلال تلك المرحلة، كانت الأحداث تسوق الأدلة تلو الأدلة تجاه ما يمكن توصيفه – على الأقل – بالخلل الخطير الذي يستحق التوقف والتمعن في حيثياته؛ أو ما يمكن توصيفه منطقياً بالولاء المزدوج او التجارة في الحرب. كنا نشاهد أمام أعيننا محافظات وجبهات واسعة تتساقط الواحدة تلو الأخرى بكل سهولة ويسر بيد مليشيات الحوثي، حتى أنَّ أحد محلليهم العسكريين [الإصلاح] أعلن ذات مرة وعلى الهواء أنَّ ما حدث في جبهة نهم لا يُمكن تصديقه، فلو أنَّ عشرة عجائز – على حد قوله – وقفوا على رؤوس التباب لمنعوا حدوث تلك "المهزلة".
الأسوأ من ذلك، أنَّ الآلة الإعلامية الكبيرة لحزب الإصلاح [فرع الإخوان المسلمين باليمن] ومن يعاونها تمكنت من تقديم صورة مظللة لحقيقة ما حدث ويحدث. وربما أنَّ مصالح الفساد المشتركة، والحسابات السياسية الضيقة جداً لدى أطراف عديدة أنتجت كارثة أخرى فوق الكوارث العسكرية المتراكمة، وكان لب هذه الكارثة إرساء وتعزيز " كذبة فجة" لا تُصدّق، ومفادها أنَّ الخلافات مع المجلس الانتقالي تُعتبر السبب الأول والأخير في كل تلك النكسات العسكرية التي توالت في قمم جبال نهم وصحاري الجوف ومأرب، والتي تبعدُ عن مركز المجلس الانتقالي في عدن آلاف الكيلومترات.
بالحسابات العسكرية المحضة، مثل هذه الكذبة الفجة ليس لا يمُكن أن تُصدق فقط؛ ولكن يمكن أن يوجه الى صاحبها على الأقل تهمة التقاعس عن أداء الواجب العسكري، لكن المصيبة أنَّها بالفعل صُدقت.
كنا نشاهد تدفق هذه الكذبة الخطيرة وهي تتكاثر على مختلف وسائل الإعلام بكل حسرة وألم وغبن، خاصة وأنَّ هناك جهات "محايدة " بدأت تعتقد أنَّ ما يشاع من مطابخ الفشل العسكري إعلامياً "قد" يكون هو الحقيقة، وأنَّ على المجلس الانتقالي أن يُثبت براءته من هذه التهمة، في وقت كان يُفترض أن يُقدم من خسر المعركة تلو الأخرى ما يشرح ويبرر جميع نكساته العسكرية في الميدان.
لم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل خلقت قوات حزب الإصلاح ما بين القوات الجنوبية المسلحة ومليشيات الحوثي حواجز وموانع طبيعية، تمثلت في سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة جداً، امتدت من شقرة في أبين الى أقصى حدود التماس في محافظة شبوة، كي تمنع عملياً أي إمكانية لحدوث اشتباك عسكري ما بين قواتنا الجنوبية ومليشيات الحوثي؛ ومع وجود هذا المانع الذي يتناقض تماما مع الادعاء بأنَّ قواتنا الجنوبية تعيق جهود الحرب ضد الحوثي، استمرت "الكذبة الفجة" في الدواران الإعلامي واستمر تأثيرها على بعض العقول من هنا وهناك؛ حتى أنَّنا كنا نشاهد بين حين لآخر، ظهور من لا يُخجله الكذب من الجدال لصالح هذه الكذبة العمياء.
وخلال تلك المرحلة التعيسة، اشغل محافظ شبوة السابق نفسه بمناكفات سياسية أكبر منه بكثير، وتقمص الدور الذي طُلب منه أن يلعبه بمهارة وحماقة، ما جعله ينسى تماماً أنَّ الحرب الحقيقية التي يخوضها الجميع منذ 2015 هي مع قوات الحوثي وليس مع الامارات العربية المتحدة أو القوات الجنوبية، أو حتى مع الأنشطة السلمية لفرع المجلس الانتقالي في المحافظة؛ لكنَّه لم يفق من غفوته إلا أمام حقيقة مرة أظهرها يوم أسود على شبوة كلها حينما "أحكمت" مليشيات الحوثي قبضتها على ثلاث مديريات في بيحان، واكتملت حلقات الفجيعة، حينما قدَّم لنا ذلك اليوم التعيس مشاهد لقوات تتبع سلطة الإصلاح في شبوة وهي تسير جنباً الى جنب مع قوات الحوثي الغازية في حالة من السلام والوئام والتخادم الحي المُباشر، الذي يبدو أنَّ أصحابه لم يفكروا حينها حتى بتبعات ذلك الإعلان المُخجل وما يمكن أن يترتب عنه من نتائج لاحقاً.
متيقن بأنَّ جميع الحروب والمعارك عبر التاريخ لم تُقدم لنا مشهداً كمثل الذي شاهدناه في بيحان ما بين قوات الحوثي وقوات يفُترض أنَّها تخوض ضدها حرباً مصيرية ! ويقيني أيضاً أنَّ أسلوب الخيانة والتآمر الذي غالبا ما يحدث أثناء الحروب، عادة ما يتستر خلف الظلام ليستر فضيحته ويداري عورته ليس لشيء، وإنما لكي يتمكن من الاستمرار في التماهي مع العدوان. لكنَّهم في يوم سقوط ثلاث مديريات ببيحان جاوزوا كل حدود الخجل ودخلوا بلا حياء في أعماق السخف لينتجوا لنا ذلك المشهد التاريخي المُعيب.
بعد هذا السقوط المدوي في بيحان – شبوة، وبعد تلك الكارثة العسكرية الكبيرة التي باتت تُهدد عاصمة المحافظة عتق، ومع تزايد ضغط الحوثي وأعوانه على حدود مدينة مأرب، أدرك صُناع القرار أنَّ التماهي مع هؤلاء القوم وكذبتهم المستمرة لن يقود إلا إلى نكسة حقيقية لا يمكن تحمل أو تدارك تبعاتها. وأدركوا أيضاً أنَّ "المعادلة العسكرية" يجب أن تتغير فوراً، وأنَّ " الآلة السياسية " التي أدارت الفشل العسكري خلال السنوات الماضية يجب أيضاً أن تتبدل ويمسها التعديل. وهنا فُتحت الأبواب للقوات الجنوبية " قوات العمالقة "، وطُويت المساحات الجغرافية المانعة لهذه القوات من الوصول الى خطوط التماس في يوم واحد؛ وعادت قوات النخبة الشبوانية إلى حضنها الطبيعي ومهمتها الوطنية الطبيعية التي حُرمت منها باطلًا وجوراً خلال الأعوام الماضية.
فعلاً لقد قامت شبوة ورجالها بدور الجهاز الذي كشف كذب الإخوان [حزب الإصلاح]، وفضح مؤامراته، وانتهت اللعبة المُكلفة جداً التي مارسها طوال السنوات الماضية، وحان وقت المواجهات الحقيقية مع مشروع إيران في جزيرة العرب. نأسف أن نقول هذا الآن بعد سبع سنوات حرب، لكن الأكيد أنَّه لا يزال لدينا مُتسع من الوقت كي نجتث هذا المشروع من جذوره.