د. عيدروس النقيب يكتب لـ(اليوم الثامن):

همس اليراع.. هذه هي شبوة الحقيقية

شبوة المحافظة الراهنة هي سليل تاريخي لحضارات ودول وتجمعات سكانية ذات قيم وموروثات خالدة، من العطاء والإبداع والبناء والعلاقات الإنسانية.
وطوال كل التاريخ القديم والوسيط والحديث لم تكن شبوة الأرض والإنسان إلا جزءً من محيطها الإنساني والمجتمعي الديموجرافي والجغرافي، ولم تقف شبوة ولا أبناؤها قط في وجه التاريخ أو ضداً على إرادة شعب الجنوب، في مراحل نضاله من أجل التحرر والتقدم والنهوض وبناء نظامه السياسي.
تلك هي شبوة الحقيقية التي يعرفها مؤرخو الجنوب وكتاب سيرته الذاتيه وثوراته العادلة ونضالاته المشروعه.
ما جرى مع محافظة شبوة في السنوات الثلاث الأخيرة لم يكن سوى نصيبها مما جرى مع كل محافظات الجنوب منذ العام 2015م، وبالأحرى منذ العام 1994م، فالانتكاسات التاريخية ليس ظاهرة فريدة ومنحصرة على ما تعرضت له شبوة الإباء والتاريخ والمقاومة، وهذه أمور يدركها كل من يقرأ قوانين التاريخ وجدليات التطور، بيد إننا لن نتوقف طويلاً عند هذه الجزئية وقد نتناولها في وقفة قادمة.
في العام 2015م وعندما انتفض الشعب الجنوبي لمقاومة الغزاة الجدد المتحالفين مع غزاة 1994م هبت شبوة مثل غيرها من المحافظات وثأرت لتاريخها وقدمت قوافلَ من الشهداء والجرحى حتى كنست من على أرضها غبار الاحتلال واستعادت صناعة قرارها بأيدي أبنائها.
ومثلما حصل مع كل محافظات الجنوب المحررة بأيدي أبنائها، جرى في العام 2019م السطو على انتصارات المقاومة الشبوانية ضد الإرهاب الحوثي-الداعشي وباسم "الشرعية" لتنتقل شبوة من الاحتلال بالغزو المسلح إلى الاحتلال بالاستدعاء واستضافة المحتل وتسليمه زمام التحكم برقاب أبناء المحافظة، وفي ظل هذا الوضع المعوجِّ، خسرت شبوة مئات الشهداء والجرحى والمخطوفين على أيدي من استضافتهم سلطتها المحلية للاحتماء بهم من غضب الشعب واستيائه ورفضه للتبعية والإلحاق والاستعلاء.
في معركة تحرير بيحان بمديرياتها الثلاث اختفى النموذج المشوه لشبوة الذي أراد منتجو السيناريوهات الخائبة أن يقدموه كصورة قبيحة لهذه المحافظة الأبية وأبنائها البواسل، وحضرت شبوة الحقيقية التي تأبى الضيم وترفض الاستغفال وتقاوم الاستغلال وتنتصر للحرية والعزة والعيش الكريم.
ونحن نتحدث عن شبوة الحقيقية لا بد من ألإشارة إلى الجزئيات المهمة التالية:
1. إن الانتصارات التي تحققها محافظة شبوة في وجه القوات السلالية الحوثية قد جاءت نتيجة لتفاعل ثلاثة عوامل مهمة تتمثل في:
أ. اقتناع التحالف العربي بأنه لن يحرر الأرض الجنوبية إلّا أبناؤها وإن الاستعانة بالهاربين من الدفاع عن أرضهم لن تجدي لأن هؤلاء لو كان فيهم خيراً لحموا أرضهم وحرروها من التبعية لإيران قبل أن يقدموا العون لسواهم.
ب. تغيير قيادة السلطة المحلية (الفاشلة) التي حولت مهمتها من خدمة أبناء المحافظة وحماية أرضها إلى خدمة المشروع الحزبي والمواجهة مع أبناء شبوة وقواها الحية، وتعيين قيادة جديدة تنتمي إلى أهل المحافظة وتعبر عن تطلعاتهم وتحترم تنوعهم ومواقفهوم السياسية.
ج. التناغم بين السلطة المحلية الجديدة في المحافظة وبين القوات العسكرية والأمنية ومعهم عموم أبناء شبوة الذين انخرطوا بكل حماس للدفاع عن أرضهم واستعادة ما تعرض منها للاحتلال، بعد أن زال الكابوس الذي ظل يكبلهم ويقمع رغبتهم في التحرر والانعتاق.
2. إن ما جرى من تحول في ميزان القوى العسكرية في شبوة، وتحرير مديرية عسيلان على طريق تحرير كل شبر من المحافظة، كان يمكن أن يتم منذ البداية لولا اختطاف قرار شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي من قبل قوى النفوذ الحزبي ذات الأجندة الدولية المتعارضة مع مصالح الشعب الجنوبي والشعب في الشمال، والمتخادمة مع الذراع الإيراني في اليمن.
3. إن نموذج شبوة يجب أن يكون حاضراً في استراتيجية وتكتيك التحالف العربي عند التعامل مع ملف الصراع مع الجماعة الحوثية، سواء في الشمال أو في الجنوب، فليس كل من يعلن العداء مع الجماعة الحوثية صادقٌ في ما يعلن، وبينت تجربة شبوة أن تسليم مديريات بيحان الثلاث للحوثيين من قبل السلطة المحلية والعسكرية لم يكن سوى صورة من صور تخادم المصالح بين المسلِّم والمُستَلِم، وهو ما قد يتكرر في أكثر من مكان.
وأخيراً
أكرر ملاحظتي التي كنت قد أشرت لها في منشور سابق لبعض القيادات الشبوانية التي انخدعت بخطاب الإخوان القادمين في 2019م وأقول لهم:
أنتم جزء من شبوة ومن الجنوب، ومهما اختلفتم أو اتفقتم مع الوضع الجديد والسلطة المحلية الجديدة سيظل أمامكم الخيار الوحيد وهو التلاحم مع إخوتكم أبناء المحافظة وقيادتها المحلية، أما الرهان على مشاريع الهاربين من مواجهة الحوثي والاعتقاد بأنهم سيحررون الجنوب من أهله فهو لا يمثل إلا قرارا طوعيا بالانتحار السياسي، وهو ما لا نتمناه لأهلنا وإخوتنا في شبوة، مهما اختلفنا معهم، ومهما أخطأوا في حق أهلهم وبني جلدتهم في المحافظة.