محمد خلفان يكتب:
الإمارات تردع «الحوثي»
قد تكون إدانة مجلس الأمن الدولي بالإجماع للجريمة ضد الإنسانية التي قامت بها ميليشيا الحوثي باستهدافها، أخيراً مرتين، منشآت مدنية في الإمارات، الدولة التي قدمت الكثير في نضالها للتعايش الإنساني ومحاربة التطرف في المجتمعات، هو تحوّل حقيقي في الموقف الدولي ومرحلة جديدة في التعامل ضد هذه الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران.
لكن رغبة ومساعي الإمارات في التعامل مع هذه الميليشيا وغيرها تأتي من رؤية استراتيجية تتجاوز الموقف اللحظي أو الطارئ كردة فعل، إلى محاولة إيجاد ثقافة محاربة التطرف والإرهاب في العالم من خلال تغيير المزاج العام في المجتمع الدولي لأنها الطريقة الوحيدة والمدخل الأساسي الذي يمكن من خلاله الحديث عن القضاء على الإرهاب، وبالتالي إحداث التنمية وبدء الكلام الجاد عن الحياة الكريمة للإنسان في جميع أنحاء العالم بما فيها إيران واليمن.
يمكن النظر إلى الموقف الدولي بأنه «صرخة عالمية» لكسر حالة الصمت التي رافقت المنظمات الإقليمية والدولية ومعها الدول الكبرى التي استمرت لفترة زمنية، حتى بات تراخي تلك المؤسسات سبباً في تمادي مثل هذه الميليشيا وأنتجت مجموعات إرهابية أخرى. بل أصبحت المفاوضات معها نوعاً من المقايضة النفعية سواءً مع هذه التنظيمات كما حصل مع حركة «طالبان» أو مع من يرعى هذه الميليشيات في المنطقة من الدول حتى صار التعامل مع هذه الميليشيات معقداً نتيجة لتشابكها وتوزيع أدوارها ما بين اليمن والعراق ولبنان.
والأخطر في الموضوع أن يصل الأمر إلى أن يتم تلبية «ابتزازات» هذه الميليشيات كما يحاول «الحوثي» مع تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولكن خاب ظنهم لأن منطلقات التحالف والإمارات قائمة على أهداف وطنية وعلى القوانين الدولية، ولعل هذا واحد من الأسباب الموضوعية للموقف الدولي الداعم والمتضامن مع الإمارات ضد الهجمات الإرهابية الحوثية الأخيرة على منشآت مدنية في أبوظبي.
الإمارات كما هو موقفها الأساسي لا تعرف تقديم تنازلات مع الإرهابيين في أي مكان في العالم، وليس مع ميليشيا الحوثي فقط التي تطاولت على سيادتها بكل وقاحة. وهي تمتلك رصيداً إنسانياً قوياً بنته بمصداقية وشفافية كبيرة مع العالم، وغير مستعدة للاستسلام أمام مجموعة من المجرمين اعتادوا على مساومة بعض الأنظمة في العالم أو التفاهم معهم سواءً فوق الطاولة أو تحتها. ولذلك فمع مرور الوقت ستكون ميليشيا الحوثي مثالاً ودرساً من الإمارات (عقدة الإرهابيين والمتطرفين) في كيفية مواجهة التنظيمات الإرهابية. المسألة تحتاج (فقط) إلى وقفة جادة وحقيقية من جميع الدول، وعدم ترك مصائر البشرية لكل من يرهب حياتهم، لا بد من سلطة واحدة فوق الجميع سواءً على مستوى الدولة الواحدة أو المجتمع العالمي.
عدم التراخي هو السبيل الوحيد أمام المجتمع الدولي للقضاء على الإرهاب، ولدينا مثال في «داعش»، لأن التساهل مع هذه التنظيمات الإرهابية والجبن من مواجهة الداعمين لها «فرّخت» هذه الميليشيات وجعلت العالم يعاني. وصارت المواجهة تقتصر على الإدانات والاستنكارات، وتخلت عن استخدام القوة المشروعة باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء، فهذا التردد أعطى مجالاً لـ«الحوثي» لأن يعتدي على دول تقدّم مساعدات إنسانية، ويختطف سفناً تحاول إنقاذ حياة اليمنيين، فحسابات هذه الميليشيا السياسية لا علاقة لها بالإنسان سواءً من مواطني اليمن أو في أي مكان في العالم، ما يهمها تنفيذ أجنداتها ومشروعاتها الأيديولوجية.
قرابة عقد كامل أوقعت مسألة التراخي والتردد المجتمع الدولي تحت ابتزاز إرهاب «الحوثيين» ومن يدعمهم لأننا لا نريد تسمية الأمور بمسمياتها، فهم لن يتراجعوا أو يتخلوا عن أهدافهم التدميرية، وعن سلاحهم الذي جعلهم يتسيّدون ويفرضون واقعهم الإجرامي، مع أن الجميع يدرك أنهم يحتاجون إلى من يكسرهم بالقوة فهي اللغة الوحيدة التي يفهمونها، لهذا يحتاج الأمر لأن يشارك الجميع في محاصرتهم وحشرهم في زاوية (مالياً ودبلوماسياً وقانونياً) استعداداً لإنهاء هذه الميليشيا الإرهابية.