د. عيدروس النقيب يكتب:
ماذا يحتاج المواطنون الشماليون للتحرر من السطوة الحوثية؟
علينا أولا ونحن نبحث في هذه القضية أن نقر بمجموعة من الحقائق التي هي مجرد تحصيل حاصل لكن تأكيدها قد يفكك مجموعة من الألغاز المتصلة بهذا الاستمرار العجيب للهيمنة الحوثية على ما يقارب 30 مليونا من المواطنين الشماليين ولمدة تتجاوز السنوات السبع.
• إن الجماعة الحوثية تتمتع في الشمال بحاضنة اجتماعية قد لا تكون واسعة الانتشار، لكن جذورها تمتد إلى زمن قدوم الهادي الرسي إلى صعدة في القرن الثالث الهجري حاملا معه مشروع الدولة الزيدية الهادوية، وقد تكاثر أنصار هذا المذهب على مر التاريخ حتى صاروا هم الطبقة المميزة ذات النفوذ السياسي الأكثر وأحياناً الأوحد في معظم مراحل التاريخ اليمني.
• إن الجماعة الحوثية تنتهج النهج المعروف عن نظام الأئمة على مدى أكثر من ألف عام وهو البطش والقبضة الحديدية والهيمنة المطلقة التي لا تحسب أي حساب لا للرأي العام المحلي ولا الدولي إلى جانب الاعتماد على الخداع والتضليل الفكريين والاستخدام القذر لمعاني وأبعاد الدين الاسلامي الحنيف لبناء نظامٍ مخالفٍ للدين الإسلامي وللكتاب والسنة.
• وفي هذا السياق تراهن الجماعة الحوثية على التجهيل والعبث بوعي أنصاف المتعلمين وغير المتعلمين والتركيز على بناء جيل جديد لا يستمد معارفه وثقافته إلى من مناهل الحوثيين المشوهة والمغشوشة.
• وأخيرا تراهن الجماعة الحوثية على مساوئ خصومها السياسيين متمثلين في قادة “الشرعية” السياسيين والعسكريين، والذين يتمتع أغلبهم بسمعة سيئة سواء في الأداء السياسي أو على الصعيد الأخلاقي والسلوكي، وبذلك يضع الحوثيون المواطنين بين خيارين: إما القبول بهم كخيار سيئ أو الرهان على أساطين الشرعية كخيار أسوأ.
لكن من المهم الاعتراف أن الغالبية العظمى من الشعب الشمالي هي غالبية تميل إلى الحرية والعزة والكرامة وتبغض الاستبداد والاستعباد والهيمنة والظلم، بيد إن مشكلة هذه الغالبية أنها تفتقد لقيادة وطنية نزيهة وصادقة وشجاعة وماهرة في السياسة كما في المواجهة المسلحة مع الجماعة الحوثية.
وبمقابل هذه الحقيقة هناك حقيقة أخرى بميزة إيجابية يمتاز بها المواطنون الشماليون عن أشقائهم في الجنوب وهي أن غالبيتهم مقاتلون أشداء يجيدون استخدام السلاح وتسخير هذه المهارة في مواجهة الآخر حتى عندما يكون هذا الآخر أخاً أو رفيقاً أو شقيقاً أو جاراً وبذلك يكون هذا عيبا في تسخير تلك الميزة الإيجابية، لكن هذه الميزة كان يفترض أن تشكل عامل انتصارٍ وتفوق على الجماعة الحوثية ومشروعها الفئوي المتخلف.
إن مشكل الغالبية العظمي من المواطنين الشماليين الرافضين للمشروع الحوثي وهم أغلبية (قد تكون صامتة) تكمن في أن أغلب من يزعمون مواجهة المشروع الحوثي ويستثمرون فيه هم عناصر بلا شعبية وبلا مؤهلات سياسية أو مهنية أو أخلاقية تجعل منهم عنصر جذب للمواطن الشمالي كي ينخرط في الحرب بإخلاص وتفاني واستعداد للتضحبة والفداء من أجل قضية الوطن، فطوال السنوات السبع الماضية من الحرب اليمنية، لم تستطع النخبة السياسية والعسكرية اليمنية أن تحرر مديرية واحدة متكاملة، بل لقد سلمت للحوثيين ثلاث محافظات كان قد حررها أهلها وأوصلوا مقاومتها إلى بوابات صنعاء فجاء من يقولون أنهم يقاتلون الحوثي ليسلموه تلك المناطق ببضع مئات من طلقات الكلاشنيكوف وأحياناً بلا طلقة رصاص واحدة، وهو ما يبين أن هؤلاء الأدعياء ليسوا فقط فاشلين وعاجزين عن التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه البلد، بل إنهم متخاذلون ومتعايشون ومتعاونون مع الجماعة الحوثية وأنهم مثلما خذلوا الشعب اليمني خذلوا معه دول التحالف العربي التي بذلت كل جهودها المادية والبشرية والمعنوية من أجل تحريرهم من عدوهم لكنها (أي دول التحالف) قد أساءت اختيار الحليف وراهنت على الفرس الخاسر وذهبت كل مجهوداتها أدراج الرياح بسبب هؤلاء الحلفاء الخائبين.
وحتى لا يساء تفسير ما نقول فقد جاءت قوات العمالقة الجنوبية بعددها القليل وتجربتها المحدودة، التي تقتصر على سنوات الحرب ما بعد عاقفة الحزم، هذه القوات التي استطاعت أن تحرر أربع مديريات في أقل من أربعة أسابيع لتكشف ورقة التوت عمن يزعمون أنهم المؤهلون الوحيدون للقضاء على الحوثيين الذين قضوا على كل شيئ في اليمن.
إن المواطنين الشماليين بما فيهم الكثير من المحسوبين على النخبة السياسية والمقاومة المسلحة ليسوا أقل وطنية ولا أقل قدرة قتالية من أشقائهم الجنوبيين، لكنهم يفتقرون إلى القيادة السياسية العسكرية الصادقة والنزيهة والمؤهلة لتَبَنِّي مشروع التحرير واستعادة الدولة المخطوفة من قبل الذراع الإيراني وفاسدي الشرعية ممن أصابهم الزهايمر وأكلت قدراتهم الشيخوخة السياسية والجسدية والذهنية.
وتبقى نقطةٌ مهمة يدركها الجميع لكن الكثيرون يتحاشون الحديث فيها، فمع كل التقدير والاحترام لشخص الأخ الفريق عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، فإن وجوده في سدة الحكم قد تحول إلى ورطة للقوى الرافضة حقا للمشروع الحوثي-الإيراني في اليمن، فمعظم المواطنين الشماليين لم يألفوا أن يكون لهم رئيسٌ ينتمي إلى ما تحت نقيل سماره، ناهيك عن أن يكون من الجنوب ، الذي جرت شيطنة قياداته ومواطنيه وكل تاريخه على مدى أكثر من نصف قرن، وهو جعل الرئيس هادي ينال جزءً من هذه الشيطنة بل لقد حاز على نصيب الأسد بعد اعتلائه سدة رئاسة الجمهورية، هذا فضلا عن مساهمة وسائل إعلام محسوبة على الشرعية نفسها أو نافذيها (وبالأصح خاطفيها) في التهجم على الرئيس واتهمامه بالخيانة والعمالة والعجز وما إلى ذلك من حملات التهييج الإعلامي الذي يدفع المواطن الشمالي البسيط إلى تفضيل عبد الملك الحوثي (ابن البلد) على الرئيس (الغريب العميل الخائن المرتزق) كما تصوره وسائل الإعلام الحوثية والشرعية معاً.
ما يحتاجه المواطنون الشماليون هو إعادة هيكلة البنية السياسية وصناعة جسم سياسي جديد متخلق من قلب التحديات الراهنة، ويتأتي ذلك من خلال بناء تحالف وطني عريض لا يعتمد على مخلفات السنوات الخمسين الماضية التي أوصلت اليمن إلى هذا الوضع المأساوي وما تزال تقدم نفسها على أنها الأفضل والأقدر والأكفاء لاستعادة الدولة وبناء المستقبل ولكن بلا مؤهلات وبلا أفعال على الأرض.
ملاحظة أخيرة:
معظم أفكار هذا المنشور صيغت قبل صدور بيان قوات العمالقة الذي أفاد بإعادة التموضع في محافظة شبوة، وبعد هذا البيان يلزمنا التقدم بكل معاني التقدير والاحترام والثناء للدور البطولي الذي أداه جنود وصف ضباط وضباط العمالقة ومعهم قوات دفاع شبوة والمواطنين من أبناء مديريات بيحان وحريب، وبالمقابل يمكننا تأكيد ما تعرض له الكثيرون: لقد فتحت قوات العمالقة حنفية الانتصارات على الجماعة السلالية المارقة، وما على الذين ينوون منافسة العمالقة في إلحاق الهزيمة بالمشروع الحوثي إلّا أن يتسلموا الراية من هذه القوات لمواصلة السير حتى طرق أبواب صنعاء وإعادة الحوثيين إلى كهوف مران، إن كانوا صادقين فيما يقولون.