محمد أبوالفضل يكتب:

ماذا تقدم مصر لدول الخليج

أصبح هذا السؤال محوريا في الكثير من النقاشات التي تدور بين نخب خليجية عديدة، أخذ شكل التصريح والتلميح مع وصول صواريخ الحوثيين إلى كل من الإمارات والسعودية وتزايد التهديدات القادمة منها كمندوب عن إيران، ربما ردت ضمنيا الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أبوظبي قبل أيام عن هذه الهواجس، غير أن البعض يعتبرها غير كافية حيث تتوقف عند التضامن الشفوي.

تعتقد بعض الدوائر الخليجية أن الدعم المصري الحقيقي يتمثل في إرسال أرتال من المعدات العسكرية إلى الإمارات أو المشاركة مباشرة في الحرب اليمنية بما يتجاوز حدود المهام البحرية الحالية، ويأتي هذا الاعتقاد من الدور الذي يعوله الكثيرون على القاهرة بناء على العلاقات القوية التي تربطها بغالبية دول الخليج.

ما يجعل الثقة المفرطة في القاهرة تتزايد أن خطابها يؤكد دوما على أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري، واستعادة العبارة الشهيرة “مسافة السكة” التي قالها الرئيس السيسي كعلامة لحرصه على أمن الخليج وسرعة توفير الدعم اللازم.

بقطع النظر عن التوقيت الذي قيلت فيه هذه العبارة وما حملته من معان سياسية عقب تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، فلا تزال أصداؤها تتردد في كل من القاهرة ودول الخليج، لأن فحواها الرئيسي لم يتغير حتى الآن.

ما يجب الوقوف عنده هو التفسير المتباين للعبارة، فمعناها في الحسابات المصرية تقديم العون العسكري فورا إذا تعرضت أي دولة خليجية لخطر داهم مباشر، لأن تحريك القوات مسألة معقدة ويصعب حدوثه ما لم يكن هناك تهديد كبير يتخطى إطلاق بضعة صواريخ، والمقصود أن مصر تظل رصيدا حيويا لدول الخليج.

أضف إلى ذلك أن دول الخليج نفسها تدير علاقتها مع إيران باعتبارها مصدر التهديد الرئيسي في المنطقة بطريقة تنطوي على تصعيد حاد وليونة أحيانا، وفكرة التذبذب هذه توحي بإمكانية إيجاد تسوية لبعض الأزمات.

يشير هذا الالتباس إلى نوع من الخلاف في تفاصيل بعض القضايا بين مصر ودول الخليج، ويمكن ملاحظة تجليات ذلك في حرب اليمن، والحرب في سوريا، والأزمة الليبية، والموقف من إيران، وتطور العلاقات مع إسرائيل، وفي كل هذه الملفات توجد مسافة في التقديرات لا تؤثر على متانة العلاقات بين القاهرة وغالبية دول الخليج.

تعتقد بعض الدوائر الخليجية أن الدعم المصري الحقيقي يتمثل في إرسال أرتال من المعدات العسكرية إلى الإمارات أو المشاركة مباشرة في الحرب اليمنية بما يتجاوز حدود المهام البحرية الحالية

وكشفت التفاهمات في البدايات والنهايات التي جرت في التعامل مع الأزمة القطرية إلى حد بعيد وجود فرص للتعاون والتنسيق عندما تكون التوجهات متوافقة مع الإجراءات، وتصلح إدارة هذه الأزمة في استخدامها كعنوان بارز لفهم أوجه التطابق والخلاف في العلاقات المصرية – الخليجية.

يبدو التشبيه الذي يردده البعض بين موقف تركيا الإيجابي من قطر، وموقف مصر من الإمارات حاليا، غير كاف للمقارنة الموضوعية، لخصوصية كل من الدول الأربع، وطبيعة العلاقات التي تربطها، فأنقرة عندما هبت لدعم قطر وأرسلت جنودها وقواتها العسكرية لم تكن راغبة في خوض حرب حقيقية ضد دول المقاطعة العربية، بل هي خطوة أكدت بها الدعم العسكري لأجل وضع قدميها في منطقة الخليج.

تنطوي الخطوة على جانب سياسي استعراضي كانت أنقرة في حاجة كبيرة إليه، حيث أبدى وقتها الرئيس رجب طيب أردوغان رغبته في أن يصبح الرجل القوي في كل شبر من المنطقة تقريبا، وحاول تسخير هذا التفسير ضمن أجندته الإقليمية الممتدة.

بينما مصر لا تضع في أجندتها هذا النوع من الحسابات في هذه المرحلة، ومن يراجع موقفها الخاص من الأزمة الليبية يتأكد أن آخر العلاج لديها هو العمل العسكري، فقد جرى التلويح به والتعبير عن جاهزية كبيرة لاستخدامه، غير أنه في النهاية لم يدخل حيز التنفيذ، طالما ليست هناك ضرورة حتمية.

تصلح هذه المقاربة لفهم الموقف المصري من إرسال قوات إلى منطقة الخليج أو غيرها، حيث ترى القاهرة أنها خطوة غير ملحة في الوقت الراهن، وهذا لا يعني أنها مستبعدة، لأن أمن الخليج فعلا جزء من الأمن القومي المصري ولا توجد منة أو تفضل، فحديث القاهرة في هذا السياق إذا فهم على أنه يقف عند الحدود الدبلوماسية فقط فهو تقدير غير دقيق، لأن أي هزة في أمن الخليج ستكون لها ارتدادات في مصر.

كما انزعجت دول الخليج من الأوضاع غير المستقرة التي سادت مصر مع صعود الإخوان وعقب سقوطهم، فلم يكن الانزعاج من دخول مصر نفقا مجهولا، بل لأن الأضرار التي يمكن أن تواجهها ستكون لها ارتدادات قوية في منطقة الخليج.

يحتاج الحديث في مثل هذه القضايا إلى قدر كبير من الشفافية والثقة المتبادلة، بحيث لا تأخذنا العواطف السياسية إلى مناطق رمادية تفضي إلى إشكاليات لا مصر تريدها ولا دول الخليج الصديقة لها بحاجة إليها، فكل طرف يصعب عليه التفريط في الآخر، بدليل أن كل أزمة يتم تجاوزها بمجرد الجلوس معا والحوار حولها بوضوح.

تقود الخلافات المكتومة إلى مشكلات كثيرة، ويضع كل طرف الطرف الآخر في مرتبة متقدمة في أولوياته، فالقاهرة تنتظر من دول الخليج المزيد من الدعم لمساعدتها في حل أزمة سد النهضة وتعتقد أن هذه الدول قادرة على التأثير في موقف رئيس الحكومة الإثيوبية.

في المقابل، هناك رؤية ترى أن مصر تتلكأ في دعم التحالف العربي في حرب اليمن، وأن تدخل قواتها على الأرض كان يمكن أن يؤدي إلى التخلص من الحوثيين مبكرا وإغلاق هذه الأزمة دون أن تصل كوارثها الإنسانية إلى مدى شديد الصعوبة.

يحتاج هذا النوع من العتب المكتوم غالبا إلى مصارحة خوفا من ذهاب بعض التفسيرات التآمرية إلى حد أن كل طرف يبدو كأنه يريد وضع الآخر تحت ضغط مستمر ليتحصل منه على مزايا في توقيت معين، حيث بدا عدم دعم دول الخليج في أزمة سد النهضة في رؤية مصريين توحي برغبة (غير حقيقية) لخنق مصر، وقد يفسر الامتناع عن التدخل في حرب اليمن على أنه توريط لدول خليجية.

ثمة ميراث طويل من الخلاف بين الجانبين، وأسهمت الهواجس التي تتردد في بعض الأروقة السياسية في تضخيمه، وهو ما يخل بالصداقة والتحالف والمصالح المشتركة التي تربط بين الجانبين، وما لم توضع كل الملفات على الطاولة ومناقشتها بوضوح سوف تبقى عقدة الزعامة التي تريدها مصر في العقل الخليجي، وعقدة الزعامة التي تريد بعض دول الخليج سحبها منها مستمرة في الذاكرة المصرية، ما يقوض كل ما يمكن أن تقدمه القاهرة من دعم للخليج، والعكس.