واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):

باقٍ وأعمار الطغاة قصارُ

"باقٍ وأعمار الطغاة قصارُ"؛ بهذه الكلمات أبتدأ الرئيس الراحل جلال الطالباني قصيدته في رثاء الراحل السيد محمد باقر الحكيم (قدس)، بهذه الكلمات أختصر سيرة ومسيرة مجاهد ومقاوم وسياسي رسم لأجيال مستقبلية، وقبل أن تطأ قدماه أرض الوطن، الى أن تناثرت أشلاءه وصعدت الى السماء، كان يرسم للعراق منهجاً لبناء دولة تستقر على ثوابتها.

 

 أنه السيد  الشهيد محمد باقر الحكيم، أسم نذر نفسه لمقارعة الدكتاتورية فأرعبها، وأسس مشروع بناء الدولة العصرية المدنية ودفع نفسه ضحية، ومنذ أن وطأت قدماه العراق؛ إنطلق مشروعه الوطني بمفاهيم عصرية، ورؤية  أبعد من حلم لحظة إنقشاع الظلم، وفرحة بالأمل المستقبلي، فتنبأ منذ البداية وخطط الى النهاية، وقاد مشروع معارضة التسلط  لعقود، ووصل أرض وطنه بمشروع بناء الدولة بالتضحية.

السيد محمد باقر محسن الحكيم الطباطبائي (قدس)، (8 تموز1939م – 29 آب 2003م )، نجل المرجع الكبير السيد محسن الحكيم( قدس)؛ من عائلة  قدمت على مذابح الحرية  63 شهيداً من السادة الأجلاء، ورفضت الخنوع والخضوع والمساوة، وإنطلقوا من كنف المرجعية؛ لإحياء الشعائر ونشر الوعي الديني والثقافي، والمبلغين والمكتبات في المدن وصولاً الى أعماق الأهوار، وسفراء كالشهيد محمد  مهدي الحكيم؛ الى تأسيس أول حركة سياسية شيعية؛ بإشتراك الشهيد المرجع محمد باقر الصدر وأشراف المرجعية، ومعاضدة الشهيد محمد باقر الحكيم.

أُعلن رسمياً تشكيل  المجلس الأعلى للثورة الإسلامية؛ كأطار جامع للقوى الإسلامية المعارضة للدكتاتورية، وبقيادة الحكيم أسس فيلق بدر الظافر كجناح عسكري، وحركة حزب الله أمني قتالي، ولا صق المرجعيات لحين العودة للعراق، وأعلن في وقتها الشهيد الحكيم أنه جندي تحت أمرة مرجعية النجف، وكان قائداً لا يهدأ له بال؛ إلاّ بزوال الدكتاتورية التي حاربها منذ شبابه، ومن وقت كان ساعداً أيمن للشهيد محمد باقر الصدر؛ الى هجرته في تموز 1980م؛ في نفس سنة إستشهاد الصدر.

عاد الى العراق حيث وطنه وبإستقبال مليوني حمل راية النصر، وإستراتيجية بناء الدولة، وخطوط عريضية  لتواشج العلاقات المجتمعية والسياسية، وإعادة الثقة والوحدة وكسر هاجس الخوف الذي أسس له الدكتاتور، وترجم ذلك بخطابات تاريخية؛ تنبأت بإزالة المخاوف وآليات وضع الحلول، وأهمية جمع المكونات، وأطروحات لم يترجمها كثيرون؛ بالوقوف ضد التشويه الفكري، وهَمَّ أن يبني وطن على ركام الدمار؛ بإستثمار طبيعة المكونات لسد الفراغات والنعرات التي خلفتها الدكتاتورية، إذْ فكر بالتسامح والتقارب كأفضل الحلول لمناقضة جرم الدكتاتورية.

أدرك الحكيم مبكراً أهمية سيادة العراق، وأن بحث الدول المتحالفة عن شرعنة إحتلالها؛ دليل على إستراتيجية بعيد الأمد؛ فطلب كتابة الدستور بأيادي عراقية، وعدالة الحقوق وسيادة القانون، وتطمين الأطراف السياسية والمجتمعية، والتحذير من الطائفية، وإستمر الحديث الى ذلك اليوم الأسود وإنفجار سيارة مفخخة فور الإنتهاء من خطاب حماسي داخل الصحن الحيدري المقدس بعد صلاة الجمعة.

إن طبيعة الإنفجار وعناية التخطيط وأهدافه، لم تبق للحكيم جسداً في الأرض، ولكنها دليل على إستهداف العقل  الذي يستطيع على مسك زمام القوى العراقية، وإرشادها الى سكة الصواب، ومنع مكامن الفساد وتحريك الطوائف على بعضها، وعائقاً أمام  مشاريع عالمية كبرى.

زلزلت خطابات الحكيم أطروحات تقسيم العراق، وجعله منطلق للسيطرة على المنطقة، ومن  تقسيمه وأضعافه سيكون ممراً  ومرتع للفساد.

أفنى الحكيم حياته بالجهاد لنيل الشهادة، وفاز بالآخرة وخسره شعب يتطلع لقائد يجمع شتاته، وما جسده المتطاير في أفق الوطن؛ إلاَ رسالة عامرة في صدور من أحب  الوطن، ودائماَ يموت الأبطال ولا تموت أهدافهم وأفكارهم ومحبيهم، ومن أندك في رسالة عظمية في التفاني وأطر بناء دولة خالية من الفساد والنفاق والمصالح الضيقة، وليتك يا أبا صادق موجود وترى، ماذا فعل الفاسدون في عراق قدمت له روحك الطاهرة، لكنك باقِ وأعمار الطغاة قصار، وخالدا سيتذكرك أبناء الوطن ليل نهار، وفي كل محنة يتذكرون رفاقة دربك ورفاقك ومن تعلم منهجك، بأن موجود وعمر الطغيان قصير.