حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
ريان أيقونة الطفولة ولامهنية القنوات المغربية !
الإنسانية حق مشاع لاحدود لها لدى جميع البشر وفي كل انحاء المعمور، يظهر ابطالها عند الكرب والشدائد ، وتبرز جوهر قيمها النبيلة بكل أبعادها المتداخلة في وقت الأزمات والكدمات ، لتعكس صورة سموها على الأديان والأعراق من خلال المواقف التطوعية النبيلة والأعمال الإبداعية الوجدانية المتفاعلة مع المشاعر البشرية في شكل قصائد شعرية معبرة ، أو نصوص المسرحية مؤثرة ، أو صور فوتوغرافية متميزة أو رسومات حائطية رائعة ، أو أدعية وأوراد روحانية ، وحتى من خلال الأحزان التي لم تكتفي بفجِع قلبي والدي الطفل ريان أورام ، الذي ابتلعته البئر المعطلة في قرية أغران المغمورة الواقعة في جماعة تمرون الجبلية المهمشة التابعة لمدينة شفشاون الجبلية ، وعصفت بالكثير من الأفئدة الطاهرة المرتجفة لبكاء الأطفال ، والمهتزة لنداءات الأمهات الثكلى ، وكوت العديد من القلوب الحية الرقيقة المستشعرة للخير المسارعة بالعون والإنتصار لكل مضيوم والبذل له ، كما هو حالة الطفل ريان الذي تحوله إلى قضية ، بل إلى ملحمة إنسانية ، شدت انفاس البشرية جمعاء ، وشغلت المتعاطفين والمتتبعين في كل بقاع العالم ومن مختلف المستويات ، بما أيقظته في المغاربة جميعهم من مشاعر الشهامة والتضامن والتوافق والتكافل والتأخي والتآزر وبقية الأحاسيس السامية الدفينة في دواخل الذين تضافرت جهودهم في عملية الإنقاذ التي لفتت الانظار، وحركت الاقلام ، والهبت مواقع التواصل الاجتماعي ، لتقديم الشكر والأعتزاز برجالات المغرب من مختلف المتطوعين من السلطات الترابية والامنية والصحية والقضائية والخبراء والتقنيين والطوبوغرافيين والمهندسين وسائقي الجرافات، ورجال الاعلام ، وكافة المواطنين ،الذين قال فيهم جلالة الملك محمد السادس: "المغرب له نساؤه ورجاله الصادقون " ، والذين أشكر باسمهم الشدائد التي أظهرت معادنهم النقية الثمينة ، كما قال الشافعي: "جزى الله الشدائد كل خير، وما الشكر لها حمدًا بل لأنها تُظهر معادن الشعوب."
الشدائد التي أشكرها كذلك لأنها فضحت ، وبنفس الدرجة ، تخلف وللامهنية القنوات المغربية وتقاعصها في خدمة المواطن -الخدمة التي قال فيها صاحب الجلالة: ان مسؤولية وشرف خدمة المواطن تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة الى انجاز المشاريع صغيرةً كانت او متوسطة او كبرى" انتهى كلام جلالته - بتقديم ما يشبع نهم تطلعه لأخبار الطفل ريان ، الذي ، مع الأسف الشديد ، نفضت -القنوات المغربية- يديها بسرعة فائقة من قضيته التي ما يزال المغاربة تحت ألم فاجعة فقده ، في الوقت الذي تصاعدت فيه المنافسة بين القنوات الفضائية العالمية على المتابعة المستمرة لتقديم البرامج الجادة التحليلات القيمة واللقاءات الممتعة والاستجوابات البليغة المشيدة -في مهنية كبيرة، ودقة ووضوح - بجهود هذا الوطن الذي استطاع تحريك جبل من اجل انقاذ مواطن واحد من مواطنيه على مرأى ومسمع من المنتظم الدولي، بخلاف السلوك المقززة الفاضحة والمفضوحة، الذي لم يأبه لرأي الجمهور، أو يهتم بذوقه ورغباته، والذي لا يعدو إلا استخفافا بالمتلقي ، وحطا من قيمته ، والذي شكل وصمة عار في صحيفة قنواتنا ، وتقزيما من قدر ومقدار ومستوى إعلام بلادنا، الذي أصبح المغاربة ينفرون من متابعة برامجه ويفضلون السباحة في عوالم الفن الراقي الأعمال الجادة في الفضائيات الأجنبية التي يحترم منتجوها أنفسهم وفنهم وجمهورهم .
وضدا في لامهنية فضائياتنا ، فريان سيظل أيقونة ، كما شهدت بذلك منظمة اليونيسف في تعزيتها له وللمغاربة : "فليرقد في سلام، إنه اليوم، أيقونة جديدة للطفولة في المغرب وخارجه... ومن واجبنا، احتراما لذكرى ريان، أن نبذل قصارى جهدنا حتى ينعم جميع الأطفال في العالم بحماية أفضل وتكون حقوقهم في الحياة والبقاء والنمو مصونة بشكل أحسن".