عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحادي عشر من فبراير في ميزان النخب والشارع اليمني

خاضت أحزاب اللقاء المشترك حوارا ماراثونيا مع النظام الحاكم، قبل الحادي عشر من فبراير 2011م ، كان غاية حلمها ، وأقصى ما تصبو له ، سجلا انتخابيا نظيفا ، واعتماد القائمة النسبية في الانتخابات ، وتحييد الإعلام والمال العام في العملية الانتخابية ، أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس ؛  فاندلعت انتفاضة شعبية عارمة ، غادر على إثرها زين العابدين بن علي ، اتتقلت عدوى الاحتجاجات لمصر ، التي لم يثبت أمامها مبارك إلا أياما معدودة ؛ ليقم الجيش بتنحيته ، التقط الفرصة شباب 11 فبراير ، فدشنوا الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق صالح ، متأثرين بماحدث في تونس ومصر ، مدفوعين تحت وطأة الحاجة لإصلاح أوضاعهم ، ناهيك عن فقدانهم الأمل في إحداث تغيير في بنية النظام السياسي ؛ ليستوعبهم ويلبي حاجاتهم ، إضافة لتوجسهم من فكرة التوريث ، التي ظلت هاجسا يؤرقهم ،  ويؤرق النخب السياسية ، يؤيده سيطرة أقرباء الرئيس السابق صالح على أهم الأجهزة الأمنية والعسكرية .
لم يكن في حسبان النخب السياسية المعارضة لنظام صالح أن خروج عشرات الشباب ؛  تأييدا لاتتفاضة الياسمين في تونس.  ستتحول لانتفاضة كبيرة ، تتجاوزها وتمنحها أوراق ضغط سياسية كبيرة ، لم تكن تحلم بها ، تريثت تلك النخب ، منتظرة نضوج الاحتجاجات ، وعندما شعرت أنها في صراعها مع النظام الحاكم أمام فرصة تاريخية ، لا يمكن أن تعوض ؛ قررت الانضمام لساحات الاحتجاح .
افتقر شباب فبراير لحامل سياسي ، يتبنى مطالبهم ، ويوحد رؤاهم ، ولم يكن لديهم خبرة ثورية أو قراءة دقيقة للوضع الداخلي أو موقف المجتمع الدولي من أحداث ما سمي بالربيع العربي ،  وعندما انضمت  أحزاب اللقاء المشترك للساحات ، وأعلنت تأييدها لشباب فبراير ، سيطرت على المشهد برمته ، وتحكمت فيه ، وقدمت نفسها حاملا سياسيا ، يتبنى مطالب الجماهير في الساحات ويتحدث باسمها ويفاوض نيابة عنها .
بينما كانت أحزاب اللقاء المشترك تفاوض وتناور ، وتتعاطى مع المبادرات الإقليمية ، كانت أنصارها تعتصم في الساحات ، وتقود المظاهرات والمسيرات ، كانت تتقمص أسلوب الرئيس السابق صالح في تعامله مع الأزمات الداخلية .
بانضمام أحزاب اللقاء المشترك لثورة فبراير ، وتأييد جزء من النظام السابق لها ، فقد ثوار فبراير بوصلة الثورة ، وتحولوا لركاب في قطارها ، تقوده نخب كانت جزءا من النظام ، الذي ثاروا عليه ؛ لتتحول بين ليلة وضحاها قائدة للثورة ، وملهمة لثوراها ؛ لتتحول الثورة لأزمة سياسية ؛ انتهت بمبادرة ، أزاحت صالح من رأس النظام ، لكن النظام بقي كما هو موزعا مناصفة بين  أنصار صالح  وحلفائهم ، وأحزاب اللقاء المشترك وحلفائها ، ودخلت اليمن في مرحلة انتقالية ، عنوانها الأبرز صراع بين جناحيها ؛  أفضى لانقلاب ، قادته مليشيات الحوثيين بدعم داخلي وخارجي ، قلب ظهر المجن ، وأدخل اليمن في حرب أهلية ، وجعلها مسرحا لتدخلات خارجية إقليمية ودولية .
ذكرى الحادي عشر من فبراير باتت مثار جدل ، بين من يراها ثورة ، ومن يعدها نكبة ، النخب السياسية التي وقفت خلفها وأنصارها ،  بالطبع هي بالنسبة لها ثورة ، إذ أنها حققت من خلالها مكاسب سياسية كانت بالنسبة لها ضربا من الخيال ، كما أن فبراير منحهتا مواطئ قدم مهمة في مفاصل السلطة ، مقارنة بالفتات الذي كان يجد لها به نظام صالح، غير أن من فقد مصالحه من أنصار الرئيس السابق صالح ، والمؤدلجين سياسيا ضد أنصار فبراير يعدونها نكبة .
من المهم أن نشير للمواطن اليمني البعيد عن السياسة ومناكفاتها ،  والذي دفع ويدفع ضريبة الصراع على السلطة وصوره المختلفة ، كان تحت مسمى انقلاب أو ثورة ، هذا المواطن يحاكم نتائج ثورة فبراير ، لا أبجدياتها السياسية وأهدافها ومبادئها الثورية ، فلا يعنيه وسم ثورة أو نكبة ، بقدر ما يعنيه أمنه ،  وتحسين مستوى معيشته ، خطاب المؤمرات الخارجية ، لا يأبه له ، لاسيما عندما يجد بعضا ممن كان محسوبا على ثورة فبراير ، مثخنا بالفساد والثراء المرتبط بالسلطة ، متنكرا لكل القيم التي صدع رؤوس اليمنيين ، في التنظير لها والنضال من أجلها .
أنصار ثورة فبراير ومعارضوها ، بأمس الحاجة للخروج المكايدات ،  وتصفية الحسابات والتخندقات اللاوطنية ، التي أسهمت بشكل كبير ، في إفساح الطريق لانقلاب 21 سبتمبر 2014م ،  نحتاج لأن نلملم صفوفنا ؛ لاستعادة وطن مسلوب وجمهورية مصادرة من مليشيات حوثية ، جعلت اليمن حديقة خلفية لطهران ، أقلها بكل وضوح ، وبمنتهى المصداقية لأنصار الرئيس السابق صالح :  كونوا عونا للوطن في سبيل الخلاص من الانقلاب المليشياوي الحوثي ، ولأنصار ثورة فبراير ، ومن تربع كرسي السلطة باسمها وبواسطتها،  كونوا رجال المرحلة ، لا ترموا بأي فشل أو عجز على شماعة التآمر ؛ لتخلوا مسؤولياتكم وتتخلوا عن واجباتكم .