تاج الدين عبد الحق يكتب:
ماذا تحمل زيارة أردوغان إلى أبوظبي؟
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات هي استمرار للمراجعة الهادئة التي تشهدها علاقات البلدين منذ بعض الوقت، والتي تبشر بعودة قوية لمسارها التاريخي، وتدفعها إلى مستوى سياسي لقيادة مرحلة شراكة وتعاون تتناسب مع الفرص الاقتصادية الكثيرة المتاحة أمامهما.
وأول ما يمكن ملاحظته أنه لا توجد لهذه المراجعة ملفات عالقة بين البلدين، ولا جدول أعمال يحدد طبيعة ونوعية وأولويات التحرك بشأنها، أو مدى تسارعه باتجاه العمل على فتح آفاق جديدة لعلاقات التعاون بين البلدين.
إذ لم يؤدِ التوتر والسجال الإعلامي الذي شهدته العلاقات الثنائية في المرحلة السابقة إلى تدهور العلاقات الاقتصادية، واستمر تصاعد وتيرة الاستثمارات المشتركة، في تأكيد عملي على أن الخلافات السياسية لم تكن عميقة، أو جذرية للدرجة التي تتهدد معها مصالح البلدين، أو تحول دون التمسك بخيار التعاون كوسيلة لتجاوز الخلافات حتى لا تكون ضحية لها.
وفي قراءة للمتغيرات التي أعادت علاقات الإمارات بتركيا إلى مسارها الطبيعي، نجد أنها جزء من مسار الطابع البراغماتي لسياسة الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان في السنوات الأولى من العقد الماضي منخرطا بشكل أو آخر في أزمات الإقليم السياسية تحت ضغط العامل الإيديولوجي الذي شكّل قيدا على الدبلوماسية التركية في الإقليم، وقد بدأ يُظهر الآن نوعا من التحول في مسار علاقاته السياسية بالمنطقة، وينأى بنفسه عن المشاكل الداخلية لدول المنطقة والتي جعلته متهما في مرحلة من المراحل بالسعي إلى الهيمنة والرغبة بالتوسع.
والرئيس أردوغان الذي أطلق في مرحلة من المراحل شعار تصفير أزمات بلاده يدرك الآن، وبعد تجربة مريرة وضعت علاقاته بدول الإقليم أمام امتحان صعب، أن تطبيق هذا الشعار غير ممكن إلا بشراكة سياسية مع دول المنطقة يحترم فيها خيارات هذه الدول ومصالحها.
لذلك، فإن تحجيم علاقاته السياسية بقوى مناهضة للحكومات في المنطقة كان في معظمه تعبيرا عن تلك السياسة البراغماتية، وليس استجابة لضغوط من هذه الحكومات.
وفي المقابل، فإن من رأى في الدور التركي تجاوزا على أدوار الآخرين في الإقليم، وعلى خياراتهم الداخلية، استجاب لما اعتبره تصعيدا من أنقرة فوضع شروطا غير مناسبة – في بعض الأحيان – لتطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية، وهو أمر لم يكن مناسبا لدولة بحجم وعراقة تركيا.
والواضح اليوم، أن الجانبين يدركان الآن الثغرات في المواقف التي حكمت علاقاتهما السياسية خلال المرحلة الماضية، ويحاولان استدراك ذلك من خلال العودة للمشتركات السياسية والاقتصادية الواعدة التي تفتح فرصا لا للتعاون الثنائي فقط بل للتعاون الإقليمي، كما أنها تحصن هذا التعاون من أي مطبات سياسية في المستقبل بجعل السياسة في خدمة المصالح لا قيدا عليها.
زيارة أردوغان إلى الإمارات لا ينظر لها كمحطة لعلاج ما شهدته علاقات البلدين من توتر، بل كمنطلق يعيد الوهج لعلاقة الشراكة بين تركيا كقوة غنية بالإمكانيّات البشرية والطبيعية، والفرص الاستثمارية، ودولة فتية تشكّل بوابة ومدخلا لإقليم واسع يطل على أسواق تمتد من شرق آسيا إلى غرب أفريقيا، فضلا عن مكانة تتعزز سياسيا وإستراتيجيا في محيطها العربي والخليجي.
بهذا المعنى، فإن زيارة أردوغان إلى أبو ظبي يتجاوز أثرها السياسي، ويتجاوز موضوعها الاقتصادي التعاون الثنائي، لتكون منطلقا لخريطة علاقات إقليمية جديدة قد ترسم ملامح مختلفة لكامل المنطقة.