د. عيدروس النقيب يكتب:

همس اليراع.. أردوجان في أبو ظبي

من الواضح أن العلاقات التر كية ـ العربية، وأخص هنا الخليجية، وبالذات الإماراتية منها تسير خطوةً إثر خطوة باتجاه الانفراج والتطبيع بعد فترة جفاء لم تكن خافية عن الأعين.

من المبكر وضع استنتاجات نهائية عن فحوى وأهمية الزيارة الرسمية للرئيس التركي رجب طيب أردوجان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت قد سبقتها زيارة رسمية لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية إلى تركيا، والمحادثات التي جرت هناك وستجري هنا، لكن الأمر المؤكد أن سياسات التجافي أو البرود المخطط للعلاقات بين البلدين قد صارت من الماضي، وقد تشهد العلاقات في السنوات ، بل والأشهر القادمة أكثر من علامة من علامات الانفراج.

من المستفيد ومن الخاسر من الانغلاق ومن الانفراج؟

يكمن الجذر الرئيسي لأزمة العلاقات العربية-التركية، في أن حكومات أردوجان وحزب العدالة والتنمية منذ وصولها إلى الحكم منذ نحو عقدين حولت أنقرة وإسطنبول ووسائل إعلامها إلى أدوات بيد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي تسبب في الكثير من المتاعب مع الكثير من الحكومات العربية، وأتحدث هنا عن دولة الإمارات ومصر وتونس ودول أخرى، وسأرجئ الحديث عن اليمن إلى وقت لاحق لأن ذلك يتطلب أكثر من منشور ودراسة مستقلة، لكن المهم هو أن تركيا (الإخوانية) برئاسة أردوجان وحزبه قد فضلت المصالح الحزبية والآيديولوجية على المصالح الاقتصادية والسياسية في علاقاتها مع الجوار العربي، فقاطعت دولة محورية مثل مصر بسبب موقف الحكم من حركة الإخوان وأساءت علاقاتها مع الإمارات والسعودية وبلدان أخرى انتقاماً من موقف هذه الدول تجاه فروع التنظيم الدولي  للإخوان فيها، لكن  ما يقارب عقد من هذا الشطط السياسي كشفت لأردوجان وحزبه الإخواني أن كلفة هذا التشبث بالإخوان المسلمين ترتفع يوماً عن يوم مقابل خسائر باهظة يحققها الاقتصاد والسياسة التركيين، من خلال انهيار قيمة الليرة التركية وظهور ملامح كساد اقتصادي تمثل في تراجع معدل النمو وتراجع في الميزان التجاري التركي بسبب تلك السياسات غير الرشيدة.

وإذا ما علمنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد واحد من أهم الشركاء التجاريين مع تركيا في منطقة الخليج والجزيرة العربيين، بما يقارب التسعة مليار دولار سنويا في التجارة غير النفطية، لاكتشفنا أن مردودات الانفتاح والانفراج ستكون لصالح تركيا بينما كان الانغلاق والجمود في العلاقات مضراً بالسياسة والاقتصاد التركيين على السواء.

وليست مصادفة أن هذا التغير والانفتاح الملحوظين في العلاقة بين تركيا وبلدان الخليج العربي وعلى الأخص دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي متزامناً مع بعض السياسات التضييقية التي اتخذتها السلطات التركية تجاه أنشطة ووسائل الإعلام الإخوانية وفروعها العربية التي كانت إسطنبول مركزها الرئيسي ومنطلق مهاجمتها للبدان العربية التي تقف على خط المواجهة مع التنظيم الدولي وفروعه العربية على خلفيات تاريخية يطول الخوض فيها.

وباختصار شديد لقد راجعت تركيا سياساتها (الآيديولوجية) القائمة على تفضيل المصالح الحزبية على المصالح السياسية والاقتصادية فاكتشفت أن هذه السياسات تكبدها خسائر كبيرة لم تكن مضطرةً لها دون أن تحقق لها أي عائد، حتى عندما راهنت على التجييش باتجاه ليبيا ذات المخزون النفطي المهول، فخرجت منها خاسرةً.

ومن هذا المنطلق وبناء على هذه المراجعة جاءت السياسات المنفتحة على الدول التي تواجه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وتعتبره منظمةً إرهابية.

وهنا علينا أن ندرك أن تركيا لن تتخلى نهائيا عن التنظيم الدولي للإخوان، لكنها نقلتهم إلى المرتبة الثانية وربما الثالثة أو الرابعة من اهتمامها وقدمت عليهم مصالحها السياسية والاقتصادية.

وفي هذا السياق تأتي زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات العربية المتحدة وقد تليها زيارات مشابهة أو لنقل خطوات مماثلة باتجاه الرياض والقاهرة والبحرين ولو على المدى غير البعيد.

ليس عيبا أن تخطئ لكن العيب أن تصر على مواصلة الخطأ مكابرةً أو إصراراً على موقف  لا  تحصد منه سوى الخيبات.