محمد خلفان يكتب:

الإمارات والدول المؤثرة

عندما توقع دولة الإمارات شراكة استراتيجية شاملة مع جمهورية الهند والذي تم قبل أيام قليلة، وقبلها كانت الإمارات محطة دبلوماسية لعدد من قادة الدول الإقليمية منها على سبيل المثال لا الحصر، تركيا وإسرائيل، وإثيوبيا ومصر، فإن أحد الأسئلة المهمة التي ينبغي أن نفكر في الإجابة عليها هو العامل المشترك بين هذه الدول؟

قد يستغرب البعض اتجاه دولة الإمارات في تحركاتها الدبلوماسية نحو دول ليست ضمن تصنيف الدول العظمى أو الكبرى في السياسة العالمية في وقت الكل يتحدث عن علاقاته الاستراتيجية مع الدول العظمى، بل إن الإمارات تعطي أهمية إعلامية وحفاوة بروتوكولية كبيرة أثناء استقبال رؤساء تلك الدول بطريقة ملفتة، كنوع من تقدير مكانة دولهم في الفكر السياسي الإماراتي واحتراماً لما يربط البلدين من علاقات لأكثر من خمسين عاماً.

    تصنف الإمارات ضمن القوى الدولية الصاعدة التي استطاعت أن تحقق قفزات تنموية كبيرة خاصة خلال السنوات الماضية، وهي كذلك تملك رؤية طموحة للخمسين عاماً القادمة حددتها في «عشرة مبادئ» مقسمة بين أهداف عملها الداخلي وعادة ما يكون خدمة شعبها من المواطنين والمقيمين، وبين أهداف سياستها الخارجية وهو تقليل الاحتكاكات بين الدول.

    وهذا يعكس الطابع الاستراتيجي البنيوي للحكومة الإماراتية وحرصها على الاحتفاظ ببرنامجها الأصلي وهو النهوض بالمجتمعات الإنسانية.

    يحتاج ذلك النشاط الدبلوماسي إلى تفسير منطلقات التفاعل الإماراتي مع دول العالم والتي أعتقد أن من تلك المنطلقات ما هو متعلق بالقدرة على إحداث تأثير إيجابي تجاه القضايا التي تهم الإنسان من استقرار المنطقة، ومنها أيضاً، ما تقدمه كنماذج تنموية ناجحة أو لديها مؤشرات للنهوض بدولها بغض النظر عن الحجم الجغرافي رغم أهميته (ولكن ليس في كل الأوقات)، لذلك تجدها ـ الإمارات ـ أكثر حماساً نحو دول معينة في كل الاتجاهات العالمية.

    يحق لنا أن نقول إن تحركات دولة الإمارات الأخيرة في مجال تعزيز علاقاتها الخارجية وتمتين روابطها السياسية والاقتصادية مع القوى الإقليمية الصاعدة في الساحة الدولية لم تأت من فراغ إنما جاءت نتيجة لقراءة ما تفعله هذه الدول من تأثير إقليمي ولكن بأبعاد دولية، بحيث بات ينظر إليها أنها صاحبة تجربة تنموية رائدة ومميزة في مجال التنمية تجعلها قوة مؤثرة تحرص الأطراف الأخرى في العالم على التقرب إليها.

    عانت أقاليم كثيرة في العالم طويلاً من عدم الاستقرار ومن تقلبات مواقف سياسات الدول الكبرى، آخرها ذلك الانسحاب الغريب للولايات المتحدة من أفغانستان تاركة دولة أفغانستان والإقليم المجاور له يغرق في أزماته، كما عانت دول أخرى من تردد سياسيي الإدارة الأمريكية في تصنيف الميليشيات باعتبارها تنظيمات إرهابية.

    فكانت الرؤية المنطقية للدول الفاعلة في السياسة الدولية هو البحث عن حلول إقليمية من خلال تقوية الروابط السياسية والاقتصادية وتعزيز برامجها التنموية والأمنية للحفاظ على مكتسباتها من اعتداءات خصوم النجاح والإنجازات.

    ومع إقرارنا بأنه من حق الدول الأخرى بما فيها الدول المسؤولة عن الاستقرار والأمن العالميين في البحث عن مصالحها وفق ما تقتضيه طموحاتها إلا أنه في المقابل على الدول ذات التأثير الصاعد في السياسة الدولية أن تمتلك شجاعة أخلاقية بأن تعمل مع بعضها لحياة كريمة في مناطقها وبالتالي العالم، بدلاً من السماح بأن تكون ساحة للتنافس بين القوى الأخرى وتجاذباتها ما قد يضرها، وهذا ما تفعله دولة الإمارات التي باتت محط أنظار السياسيين في العالم.

      كل تلك التفاعلات السياسية الإماراتية تؤكد رغبة قادتها في إقامة شراكات قوية مع القوى المهمة والصاعدة على المستوى الإقليمي وهي تستند على منظومة من المصالح الاقتصادية والأمنية. وهي رغبة جاءت بعد طول المراس في العلاقات الدولية جعلت لديها رؤيتها في صياغة علاقاتها الخارجية بعيداً عن النظرة التقليدية لها وهي التركيز فقط على الدول العظمى أو الكبرى دولياً.