د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل تعود أوكرانيا الى عباءة بوتين ؟!!

هذا هو السؤال المطروح أمام ساسة العالم لكي يتعظوا مما يجري في اوكرانيا بعد أن  تبخرت الوعود الأمريكية مع دخان المعارك التي اشتعلت نيرانها في أوكرانيا فبعد أن دفعتها أمريكا إلى المستنقع الروسي كان الرد الأمريكي بأن  كل ما تستطيع فعله هو فرض عقوبات على روسيا!!
الخيار الوحيد أمام الرئيس الأوكراني هو الرجوع إلى عباءة بوتين حقناً للدماء، فإنها حرباً لن  ترحم كبيراً ولا صغيراً اليوم ، فالرئيس الأوكراني بالنظر إلى تاريخه هو رجل ليس ملماً بالأمور السياسية أو العسكرية بالشكل الكامل، ومهنته السابقة كممثل كوميدي وعمره الصغير نسبياً، يجهل السياسية الخارجية الذي يتقنها بوتين وبايدن بسبب سنوات الخبرة في المعترك السياسي والعسكري لهما !!
الشعب الأمريكي شعب مبدع وخلاق ومتنوع الأعراق والأجناس والجذور.. ولا تجمعه إلا حالة الرفاهية والرخاء لأنه ليس له قومية واحده.. ولو زالت هذه الحالة لتشرذمت أمريكا إلى دول وقوميات
وبسبب سيطرت اللوبيات على السياسة والاقتصاد والإعلام الأمريكي وتحولت أمريكا إلى دولة معادية لتطلعات الشعوب. لقد قامت على سبيل المثال وفي حقب زمنية مختلفة بمنع الشعوب الفلسطينية والعراقية والسورية والأفغانية والفيتنامية والكمبودية والكورية وغيرها من الحصول على حقوقها وتقرير مصيرها دون إراقة دماء. ثم إن السياسة الأمريكية تنكرت في أزمنة مختلفة لكثير من حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وغيرها كما قال بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في إحدى جلسات استجواب وزير الخارجية " أنتوني بلنكن " بتاريخ (١٣ سبتمبر ٢٠٢١) ثم إن أمريكا ما كادت تنفك من حرب حتى تدخل أخرى. لقد تعودت أمريكا أن تعلق أوساخها وتنشر غسيلها على حبال حلفائها من الدول الأخرى، وإن لم يقبلوا فإنها تسعى إلى الإضرار بهم وعدم تحقيق مصالحهم..!!
وعندما جعل مشرف  نفسه رهنا للإملاءات الأمريكية وسياساتها المعادية للمسلمين والعرب، وأقال صانع القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان من منصبه، ووضعه تحت الإقامة الجبرية بإيعاز من البيت الأبيض قال المتحدث الرسمي فيه ما يلي : 
"إن عزل برويز مشرف هو شأن باكستاني داخلي"..
كان ذلك التصريح للخارجية الأمريكية بمثابة إعلان التخلي عن حليفها الباكستاني البارز الذي عادى شعبه من أجل تقديم فروض الولاء والطاعة للإدارة الأمريكية، وجعل من أرض بلاده مرتعا للمخابرات المركزية بحجة مواجهة الإرهاب .
وفي النهاية تخلت أمريكا عن "العميل" الباكستاني كغيره من الحلفاء الذين اعتادت الولايات المتحدة بيعهم والتنكر لخدماتهم
 
في كتابه "كيف تبيع أمريكا أصدقاءها" يقول الأستاذ مجدي كامل: "لا صداقة مع أحد تدوم ولا وفاء لأحد يستمر" هذا هو المنطق السياسي الأمريكي في التعامل مع الأنظمة الحاكمة في كل زمان ومكان، منطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، ليس فيه مكان لحليف أو صديق، الجميع سواسية، المعيار الوحيد هو المصلحة وهو نفس المنطق الذي تعاملت به بريطانيا مع حكومة الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي عنما سلمت الاستقلال للجبهة القومية منفردة !!
وعدد الكاتب الحلفاء الذين باعتهم أمريكا، كان منهم شاه إيران، والرئيس الفلبيني ماركوس، وسوهارتو الإندونيسي، وباتيستا الكوبي وغيرهم، كلهم تنكرت أمريكا لصداقاتهم
كان أبرز المحطات التي أظهرت تخلي واشنطن عن الخليج، توقيع اتفاقية النووي في ولاية أوباما  التي أدت لرفع العقوبات الإقتصادية عن إيران، دون إيجاد أي ضمانات للأمن الخليجي
وفي الوقت الذي تقود فيه السعودية تحالفا عربيا لمواجهة الإنقلابيين الحوثيين في اليمن، ترفض أمريكا إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، لأن ذلك يدخل ضمن سياق العلاقات المتينة بين واشنطن وطهران !!
أرادت واشنطن من خلال هذا التناغم مع طهران خلق توازن بين أغلبيات سنية وأقليات شيعية في المنطقة، فصعدت إيران لمواجهة السنة، ابتداء من تسليم العراق لعملاء الملالي وانتهاء باتفاقية النووي، وغض الطرف عن العربدة الإيرانية في العراق وسوريا
ومن ناحية أخرى، بات واضحا أن أمريكا تبني شراكتها الحالية في المنطقة على ما يحقق تحجيم وإضعاف الإسلام السني !!
ففي العراق تنسق أمريكا مع الحكومة العراقية الطائفية لتغيير التركيبة السكانية وتهجير السنة عن طريق ضرب أماكن تجمعاتهم بذريعة مواجهة داعش، وقبلت أن تتعاون مع قاسم سليماني لضرب الفلوجة ثم تخلصت منه !!
كما قبلت بأن تعمل جنبا إلى جنب مع ميلشيات الحشد الشعبي الطائفية في العراق بصورة غير مباشرة، إضافة إلى دعمها للأكراد، بما يؤكد أن أمريكا تسير باتجاه تقسيم العراق .
 
وفي سوريا، تتلكأ أمريكا في حسم المعارك مع تنظيم داعش، وترفض عروض الأتراك في شن عمليات عسكرية مشتركة، وتمتنع عن توفير غطاء لتدخل السعودية وحلفائها بريا، .لن  لحسم المعارك مع تنظيم داعش !!  
السبب واضح، وهو أن أمريكا لا تريد حسم المعارك مع داعش بالشراكة مع قوى سنية خوفا من تقوية نفوذ هذه الدول في المنطقة
وفي الوقت نفسه، تمتنع واشنطن عن تقديم الدعم العسكري لفصائل المعارضة السنية التي تمثل أغلبية الشعب السوري، رغم أن هذه الفصائل تواجه تنظيم داعش من جهة، وقوات الأسد من جهة أخرى  ويأتي هذا التباطؤ والرفض للشراكة مع دول وجماعات سنية، في الوقت الذي تغض الطرف عن التدخل العسكري لإيران وأذرعها (حزب الله والمليشيات الشيعية) في سوريا!!.
وتمعن أمريكا في تقرير اختيار شركائها بعيدا عن الدول والجماعات السنية، فتدعم وبقوة القوات الكردية لاكتساب أرض جديدة على حساب الفصائل الثورية السنية، ومؤخرا قام مستشارون عسكريون أمريكيون بالإشراف على تقدم قوات سوريا الديموقراطية – التي يمثل الأكراد عمودها الفقري – من خلال تركيب جسر حديدي على الفرات في قرية "قره قوزاق" تمهيدا لتقدم القوات باتجاه منبج من المحور الشمالي الغربي.
كما تحدثت وسائل إعلام عن ظهور مقاتلين أمريكيين إلى جانب قوات سوريا الديموقراطية في الرقة ..
لو كانت أمريكا ترغب فعلا في مواجهة الإرهاب في سوريا كما تزعم، لاختارت أسهل وأقرب الطرق إليه، ومدت يدها إلى السعودية وتركيا وحلفائهما، والذين يرغبون في إزاحة تنظيم داعش من المعادلة، والذي كان وجوده أكبر شوكة في ظهر الثورة السورية، إذ أصبح ذريعة لتدخلات دولية في سوريا .
.
وإذا كانت أمريكا تبيع حلفاءها بمنطق المصلحة، وفي الوقت نفسه تهدف سياستها في المنطقة إلى تصفية الحسابات مع الإسلام السني خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فلا مجال للعرب في الرهان على التحالف مع البيت الأبيض .
لقد آن أوان نبذ التبعية لأمريكا، فالمتدثر بها عريان!!
كما أنه لا ينبغي التعويل على تغيير القيادات الأمريكية، فقد ثبت أن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة جوهرها ثابت، والمتغير هو شكلها ومظهرها، فكل يؤدي دوره بحسب متطلبات المرحلة .
د . علوي عمر بن فريد