د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

أزمة الحرب الروسية الأوكرانية

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق و استقلال 16 جمهورية انسلخت عن الاتحاد السوفيتي من بينها أوكرانيا، وحل حلف وارسو، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الحلف الأطلسي، بعدم تمدد الحلف شرقاً في بلدان أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن بمرور الزمن تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هذه التعهدات، وتمدد الحلف إلى جمهورية التشكيك وبولندا ودول البلطيق، وحرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أوكرانيا على الانضمام إلى هذا الحلف، وهو ما أثار حفيظة روسيا الاتحادية؛ بسبب التهديد المباشر لأمنها القومي ومصالحها الذي يمثله انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي وتواجد قواعد عسكرية وصواريخ موجهة لروسيا من أوكرانيا، وطالبت روسيا بضمانات أمنية للحيلوله دون انضمام أوكرانيا وضرورة إرساء مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة أي أمن روسيا وأمن أوروبا على حد سواء، وذلك مقابل تعهد روسيا بعدم غزو أوكرانيا.
وتعود بنا الذاكرة إلى أزمة الكاريبي 1962 والتي تعرف أزمة الصواريخ الروسية ، ، التي نصبت في كوبا على بعد 90 ميلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح العالم ثنائي القطبية آنذاك على شفا حرب عالمية ثالثة نووية، في إطار الردع المتبادل بين القطبين، ولولا حكمة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي ونظيره السوفييتي نيكيتا خروتشوف ، واتفافهما على سحب الصواريخ السوفيتية مقابل تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بعدم غزو كوبا، لكان الوضع قد انفجر في ذلك الوقت على نحو خطير.
في الحرب الحالية التي تشنها روسيا على أوكرانيا يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ليس جون كنيدي كما أن الرئيس الروسي الحالي فيلاديمير بوتين ليس خروتشوف، ففي حين كان كنيدى الزعيم الأمريكي يدرك تحول النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من حلف الناتو وبين الاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه من حلف وارسو؛ فإن بايدن وحلفائه في حلف الأطلسي يعتقدان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أن النظام الدولي نظام قطبي تنفرد في حكمه وإدارته الولايات المتحدة الامريكيه ، وما يزال بايدن يعتقد في استمرار هذه الأحادية القطبية رغم صعود الصين وروسيا الاتحادية وتآكل النفوذ الأمريكي وتغير في موازين القوى بعد صعود روسيا والصين لتتصدر مكانتهما في النظام الدولي . وان روسيا اليوم بقيادة بوتن تنزع إلى القومية لروسيا ومصالحها في آسيا وأوروبا والعالم.
الأزمة الأخيرة، يقينًا، ليست وليدة اللحظة، بل إنّها تحمل في طياتها رسالة روسيةً واضحة تتعلّق بكونها الدولة التي لم تعد ضعيفة ومفكّكة بعد انهيار الاتحاد السوفييتيّ، كما أنّها ليست روسيا يلتسين وحتى ليست روسيا بوتين في بداية عهده.
انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسيّ ليس السبب المباشر للأزمة الحالية يواصل حلف الأطلسيّ، ورغم نهاية الحرب الباردة توسيع صفوفه والتحرّش بها، إذ يعزّز ساحات عمله ويندفع نحو توسيع عضويّته بضمّ دول أوروبا الشرقيّة، إذ ضمّ أحد عشر بلدًا من بلدان أوروبا الشرقيّة.
بوتين عندما وصل إلى السلطة تحدّث عن احتمال انضمام روسيا ذاتها إلى الحلف، قابله ردّ من هنري كيسنجر وزير خارجيّة أميركا السابق، وأَحد واضعي سياستها الخارجيّة جاء فيه «أنّ روسيا ما زالت كبيرة لذا فهي خطيرة»، وحلّ النزاعات الإقليميّة بالطرق السلميّة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أميركا ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي قوّضت تدريجيًّا مبدأ توازن المصالح، وعدم اللجوء إلى القوة العسكريّة، وجعلت حلف الناتو وتوسيعه، مصلحة أميركيّة. لذا تبنّت سياسات مراوغة، ودفعت باتجاه تأزيم النزاعات، وصول فلاديمير بوتين للرئاسة ( عام 2000) تزامن تقريبًا مع مجيء جورج بوش الابن، ومقابل سياسة أميركا التي أرادت مواصلة استغلال ضعف روسيا وتوسيع حلف الأطلسيّ فعلًا، وإن لم يكن عددًا، سعى بوتين لمواجهة الانهيار الكبير في مكانة روسيا الدوليّة، بعد الحرب الباردة، عبر التركيز على الاقتصاد الداخليّ ومحاول ملء المكانة المتبقيّة لروسيا كدولة عظمى، دون السعي إلى مواجهات مع الولايات المتحدة،

د. علوي عمر بن فريد