سلام التميمي يكتب لـ(اليوم الثامن):
كيف بدأت القراءة من مصانع السجائر؟
ربما سبق لك وأن قرأت على أحد كتاب, أو قرأ عليك أحدهم كتاب, أو كنتم في مجموعة تتناوبون قراءة الكتب على بعضكم, لكن ماقد لاتعرفه أن القراءة عن الآخرين بدأت من مصانع السجائر؟
كان أنتاج السجائر في القرن السابع عشر أحد موارد الدخل في كوبا, لكن بسبب تغير المناخ الاقتصادي في عام 1850 وأنتشار بعض الاوبئة لدى العمال في مصانع السجائرأخذ الكثير منهم في ترك أعمالهم مما ادى الى أرتفاع معدلات البطالة, وفي ذلك الحين خطرت في بال أحد لُفاف السجائر والذي كان أسمه ( مارتينيز ) فكرة إصدار صحيفة لعمال صناعة السجائر في عام 1865, تكون هذه الصحيفة عبارة عن مقالات في العلوم والآداب والقصص القصيرة, لكنهم وجدوا أن الأمية تقف في طريق أنتشار الصحيفة, حيث أن عدد العمال الكوبيين في تلك المصانع الذي كانوا يستطيعون القراءة لم يتجازوا نسبة 15% ومن هنا خطرت في بال مارتينيز فكرة ( القراءة عن الاخرين ), فقام بمقابلة مدير إحدى المدارس وأقترح عليه أن تقوم المدرسة بأرسال بعض الطلبة ليقرأوا على العمال في أماكن عملهم وكان العمال يدفعون للقارئ لقاء أتعابه, كانت البداية في مصنع ( الفيغارو ), وبعدها أصبحت مصانع أخرى تفعل الشيء نفسه حتى أخذت الفكرة تتسع ووصلت الى أغلب المصانع, حيث أعادة روح العمل لمصانع السجائر, الى درجة أضطر معها حاكم كوبا أنذاك أن يضع قيود على هذه العملية بأن يمنع صرف أنتباه عمال المصانع عن عملهم بكتب وصحف ومناقشات لا تتعلق بعملهم, كذلك فرض بأن تقوم الشرطة بمراقبة دائمة للتأكد من تقيدهم بهذا, لكن هذه المحاضرات أستمرت .
ولما فرضت أسبانيا حضراً تجارياً على كوبا كثير من هؤلاء العمال لجأوا الى أمريكا, وأستقبلتهم أمريكا في نيويورك وفي فلوريدا, وبالخصوص منطقة كيوست في فلوريدا حيث تحولت هذه المدينة خلال سنوات الى مركز مهم لصناعة السجائر, لكن من بين الأشياء التي أخذها العمال الكوبيون لما هاجروا الى أمريكا هي مؤسسة تلاوة النصوص, والجميل في ذلك أن بعض العمال الذين أمضوا سنوات في المصنع أصبحوا يحفظون عن ظهر قلب مقاطع طويلة من الشعر والنثر, وأكتشف العمال أن الأستماع الى القراءة كان يعينهم على تحمل العمل الروتيني في لف تلك السجائر, خصوصاً أن العمل ماكان يتطلب تركيز ذهني لذلك كانوا يستطيعون ممارسته بالعادة والأستماع الى الكتب والقصص, طبعاً هذا العمل تلاوة النصوص لم تكن رائجة خارج جدران الأديرة خصوصاً قبل أختراع طباعة الكتب, ولما كانت الكتب باهضة لا أحد يقتنيها الا الاغنياء, فلما أنتشرت مؤسسات تلاوة النصوص ساعد ذلك الناس العاديين حتى من غير العمال في مصانع السجائر لحضورها والاستماع لها, بالمناسبة مازالت قراءة الكتب عن العمال موجودة الى اليوم في بعض مصانع السجائر في كوبا, أتساءل أحياناً هل الصورة النمطية للمثقف وبيده سجارة لها علاقة بهذ الموضوع؟