حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل نحن فعلا في حاجة الى إعادة التربية؟
ليس المقصود هنا بالتربية تلك التي توعد بإنزالها رئيس الحكومة السيد "أخنوش" بالمغاربة ، وإن كانت قريبة منها أو من صنفها ، لأنه حتى إذا من حق المواطن المنخرط في مجتمعه المتشبع بقيمه والواعي بحقوقه وواجباته ، أن ينخرط في العديدة من التظاهرات الجماهيرية المنددة بما وصلت إليه أوضاعه من مستويات سوء الأحوال الاجتماعية والإقتصادية التي يعيشها جراء افتقار معظم مرافق حياته الحيوية للخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والسكنية والتشغيلية ، والتي تنطفئ أمام غطرستها المدمرة كل حواس اليقظة لديه ، وحتى إن كان من حقه أن ينتفض ضد الاحزاب المتسببة مواقفها فيما يكابده من المعاناة اليومية المزرية ، وأن يشجب تقاعص وتهاون المنتخبين في الدفاع عن مصالحه كما يفترض ، ويواجه السياسات الحكومية وقراراتها اللاشعبية التي أوصلته لما هو فيه وعليه من أوضاع مأساوية ، وأن ينتفض ضد الفوارق الاجتماعية المفتعلة ، وانعدام العدالة الاجتماعية ، وإن من حقه أيضا أن يطالب بتحسين ظروفه الاستشفائية ، وتطوير منظومته التعليمية ، ويطالب بالتوزيع العادل لثروات بلاده ، فإنه ليس من حقه أبدا ، ممارسة السلوكيات المنحرفة وغير المتحضرة المتسمة بالعنف والهمجية الجارحة والمهينة للمجتمع والمسيئة لسمعة الوطن والمخربة لممتلكات الغير، والتي رأينا منها قبل أيام بعض المشاهد اللامدنية والبعيدة كل البعد عن التحضر أو الكياسة ، والقريبة كثيرا من الجرائم الأخلاقية في حق هذا المجتمع الذي ضاعت حقوقه في التياسة ، بكل أشكالها الجسدية واللفظية ، خلال مباراة كرة قدم فضحت واقعنا السلوكي الذي نخرته الظواهر السلبية المسيئة للروح الجماعية ، التي أَفْقَدت مقترفيها -الذين يفكرون بأرجلهم كادجاج - الحكمة والدماثة ، وعوضوها بالهمجية التي تسربت الى كل فضاءات حياتهم ، وظهرت بشكل جلي في ملاعب كرة القدم ، حيث إتخذت شكلها الجماعي الذي اتسم بـقلة التحضر المشين ، والهمجية المهينة ، التي يُلزم التصدي الحازم لها المزيد من تضافر الجهود وتدارك النقص والتخلي عن التقصير والتهاون والتفريط الذي عرفته المدرسة والأسرة والمؤسسات الاجتماعية والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني المحلية والجهوية والحكومات ، في تهذيب وتقويم سلوك الفرد واعداده أخلاقيا ونفسيا واجتماعيا، والتي تحولت أدوارها ومهامها ووظائفها ، كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية تضمن استمرارية القيم والمثل العليا ، الى آليات لانتاج العنف والسلوكيات المنحرفة التي لا تؤسس لمفهوم المواطن الحق الواعي بحقوقه وواجباته والمنخرط في مجتمعه والمتشبع بقيمه.
لا شك أن هذا الوضع الخطير جدا يدعو لتعميق التفكير في إيجاد استراتيجات بديلة تعيد للمجتمع - الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية والأحزاب الوطنية ، وجمعيات المجتمع المدني والحكومة والدولة -أدوارها التربوية والفكرية المتمثلة في ترسيخ قيم المواطنة والإنسانية برؤية تربوية حداثية مستبصرة تؤسس لمناعة تحصن الوطن والمواطن من مثل هذه الظاهرة الاجتماعية التي شكلت ورماً خبيثا في جسد الأمة، ووقايتهما من استفحال كوارثها التي تميت الأمم موتاً بطيئاً إذا هي لم تكن في مستوى مسؤولية الرسالة التربوية الملقاة على عاثقها ، ولم تنسجم مع متطلباتها ومقتضياتها التي لن تتحقق الا بالقظع مع التفكير السلبي العقيم والمتحجر، وانتهاجها التفكير الإيجابي المتسامي القائم على العقل والحكمة ، الذي تبنته جميع الشعوب والأمم التي تحررت من قيود الجهل والغباء المتوارث الذي كان يغل بلادها ارضا وشعبا، والتي إذا ما القينا نظرة ولو سطحية على تاريخها، لوجدنا أنها لم تتمكن من ذلك إلا عبر تسليح ناشئتها بالعلم والمعرفة وأنساق القيم الإنسانية الكونية المرسخة لمرتكزات المواطنة ومقومات الوطنية النابذة لكل مظاهر العنف واللاانسانية المسيئة للوطن والمواطنين ، كهذه الظاهرة الخطيرة، التي إذا ما أهملت ، فإن كوارثتها في طريقها للاستفحال ، خاصة أن المتحكمين في قيادتها هم جماعة من الجهلة والأغبياء المستهترين بقين ومبادئ الوطنية ولا يهمهم إنحدارها ، ولهذا وقبل كل شيء، علينا أن نعيد النظر في إختياراتنا التربوية الغير صائبة ، وغير مدركة للظروف والمتغيرات الوطنية والدولية..