عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب:
مسلسل «الاختيار3».. الدراما والوثائقي
الدراما ورمضان، ثنائية بدت لسنواتٍ طويلةٍ متلازمةً في كل عامٍ، وإنْ بدأت الأمور تتحرك باتجاه تطوير طبيعي بحيث خالطت الدراما في رمضان برامج وأنشطة وفعاليات وبدأت الدراما العربية والخليجية تجد مجالاً حيوياً وتطوراً كبيراً خارج رمضان لتصبح صناعةً متكاملةً.
استثمرت السعودية بشكل كبيرٍ وفاعلٍ في الدراما وهي تخطو خطواتٍ مهمةٍ في توطين وتطوير الصناعة على كافة المستويات، واستثمرت الإمارات في صناعة الدراما عربياً ودولياً، والدراما السورية شهدت تراجعاً بسبب الأوضاع السياسية، وعلى العكس شهدت الدراما المصرية قفزات مهمةٍ أعادتها مجدداً لصدارة صناعة الدراما في العالم العربي، مع ملاحظة تطورٍ في صناعة الدراما اللبنانية.
لقد شعر الجميع بأهمية الدراما كنموذج للقوة الناعمة وطريقةٍ سهلةٍ ومشوقةٍ لإيصال الأفكار والمعلومات والحقائق لعامة الناس، وقد شهدت صناعة الدراما قفزاتٍ كبرى مع التطورات التقنية الحديثة على مستوى العالم، ومنصات الدراما الجديدة باتت تؤثر بشكل مباشر على هذه الصناعة حول العالم، فمنصة «نتفليكس» أو «آبل» عالمياً أو «شاهد» عربياً أصبحت تزاحم القنوات وشركات الإنتاج على قيادة المشهد والتأثير فيه.
منصة «نتفليكس» على سبيل المثال تجاوزت الخطوط الحمراء في الدراما التقليدية وأصبحت تنشر اتجاهات لا تتناسب مع قيمنا، كالمثلية، في كل أعمالها تقريباً، بمناسبة وبدون مناسبةٍ، وهذا أحد مظاهر الترف الحضاري في أميركا وهو ما دفع باتجاه أصداء رافضة حول العالم، وبدأت العديد من الدول حول العالم وفي المنطقة تحديداً تستثمر استثماراتٍ كبرى في مجال الدراما، إيران وتركيا نموذجاً، وبالتالي فالتغييرات كبيرةٌ والصناعة تتطور.
مسلسل «الاختيار» المصري هو استثمار في الدراما، لإعادة ترتيب المشهد العام لدى الشارع المصري وفي هذه السنة يُعرض الموسم الثالث لهذا المسلسل، والجديد هنا هو دمج الدراما بالوثائقيات في عملٍ دراميٍ واحدٍ، يعرض الأحداث بشكل مشوّقٍ ويخلط معها «تسريباتٍ» وثائقية لأحداثٍ حقيقيةٍ بصوت وصورة الفاعلين في المرحلة الحساسة التي يتطرق لها العمل، وهو أمر بالغ التأثير والأثر.
في 2017 أنتجت مجموعة (MBC) مسلسل «غرابيب سود» والفيلم الوثائقي «ألوان الدم الخمسة»، وكانت الفكرة حينها هي عرض دراما مشوقة تجذب المشاهدين وتشرح لهم تفاصيل أفكار وأساليب وجرائم تنظيم «داعش»، وقد توقع فريق العمل أن تثور ثائرة عناصر التنظيم وجماعات الإسلام السياسي المؤيدة له من «جماعة الإخوان» و«السرورية» وأن يتهم العمل بالكذب أو التدليس، كما هي عادة جماعات ورموز الإسلام السياسي في حملات التشويه، ومن هنا جاء إنتاج الفيلم الوثائقي بقصص واقعية وأسماء حقيقية لا يمكن التشكيك فيها بأي حالٍ، ووصلت الرسالة وتحقق الهدف.
في مسلسل «الاختيار 3» تم دمج هذه الطريقة في عملٍ واحدٍ، دراما متكاملة يتخللها «تسريبات» وثائقية تكشف المستور وتعرّي الحقائق وتوضح كافة التفاصيل لعامة الناس، وشاهد الناس من خلال الدراما تسجيلات بالصوت والصورة لرموز «جماعة الإخوان» من مرشدهم «محمد بديع» إلى نائبه «خيرت الشاطر»، وصولاً إلى «محمد مرسي»، وهم يتحدثون عن إحراق مصر وتدمير البلد وخلق الفوضى ونشر الإرهاب، بعباراتهم وكلماتهم الصريحة والمباشرة التي لا تحتاج لمحللٍ ولا خبيرٍ ليشرحها ويوضح أهدافها وغاياتها، والناس تتابع وتشاهد وتعرف أي شرٍ ومكرٍ وغدرٍ وإرهاب كانت تخطط له الجماعة وتوجد له التبريرات الدينية التي تنطلي على الجاهل وغير المتخصص.
أخيراً، فهذه الفكرة التي تجمع بين سعة انتشار «الدراما» وقوة الحقائق في «الوثائقي» نحن بأمس الحاجة إليها في العالم العربي، ويمكن تطوير ذلك بحرفيةٍ عاليةٍ وإنتاجاتٍ ضخمةٍ توصل للناس حجم الشرور التي كانت تدار والمؤامرات التي كانت تحاك ضد الدول العربية وشعوبها في كثير من قضايا تمس الرأي العام وتسهل إيصال الأفكار.