عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):
السلام المأمول واستمرار الصراع في اليمن
ليس من الصواب اختزال نهاية معركة اليمنيين ، مع مليشيات الحوثيين بقبولها الجلوس على طاولة المفاوضات؛ لصياغة خارطة سياسية جديدة ، تكن المليشيات الانقلابية جزءا منها ؛ كي يقتنع اليمنيون أن تلك المليشيات جنحت للسلم ، وأنها في طور تحولها لمكون سياسي ؛ إذ أن صراع تلكم المليشيات مع القوى السياسية والاجتماعية اليمنية ذو ديناميكية متجددة ، من خلالها تعيد المليشيات تعريف الصراع وأطرافه ، وتكسبه أبعادا مختلفة ، باختلاف الظروف الداخلية والخارجية ، متكئة على مشروعية ، تنالها من الاتفاقيات والمشاورات التي تجرى معها برعاية دولية ، معدة العدة لصراع قادم ، بمبررات مختلقة وهوية جديدة ، طالما ظل المجتمع الدولي يتعامل معها بمستوى كبير من الدلال والتدية مع مؤسسات الدولة الوطنية التي يمثل تشظيها وتنازع سلطاتها بين أطراف عدة من أهم العوامل التي منحت المليشيات الإنقلابية البقاء حتى الآن .
المؤشرات تقودنا للقول : إن الإقليم والمجتمع الدولي يحرص على الإبقاء على المليشيات الإنقلابية في المشهد اليمني ، وفق إستراتيجية التأسيس لصراع متجدد ، بعيد المدى ، يمزق الكيان اليمني ، ويستهلك طاقاته المادية والبشرية ، هادفا لشرعنة وجود سياسي للمليشيات في أي حل مزمع طرحه والترويح له ، يمنحها حصانة داخلية وخارجية ، تسقط عنها الجرائم التي ارتكبتها ، وتبقيها كوابحا تعيق القوى الوطنية من بناء الدولة اليمنية الحديثة ، كما أن النتائج المراد الخروج بها من المفاوضات القادمة مع المليشيات الإنقلابية، يراد لها، التسويق للمليشيات في إطار تشكيل جديد للسلطة ، وتجميل دور المجتمع الدولي المتواطئ معها .
حتى لا تستأصل المليشيات الإنقلابية من المشهد السياسي تلقت نصائحا من أطراف إقليمية ودولية ، مفادها أن عليها أن تتحول من سيناريو القتل والتدمير ، إلى سيناريو الحوار والمفاوضات ، وتقديم بعض التنازلات ، التي لا تغير من معادلة الصراع معها ، وعليها أن تقبل بتقاسم السلطة أو المحاصصة مع بقية الفرقاء ، ولقد صرح أكثر من مسؤول إيراني ؛ أن العرب إذا أرادوا حلا لما يجري في اليمن ، فإن عليهم إعطاء كل الطوائف والفرق حصصا ثابتة في الحكم ، فالمشروع الإيراني في اليمن ، يراد له أن يستعيد عافيته ، ويحافظ على وجوده من نافذة الحلول السياسية ، المستندة على نظام المحاصصة أو التقاسم، بين حلفاء إيران والقوى المناوئة لها ، والمعطل لأي مساس بمصالح الجماعات والتنظيمات المتحالفة مع طهران ، سيتم تمريره بحجة البحث عن السلام ، بينما المأمول منه مأسسة الفوضى والعنف لعقود طويلة ، وتمزيق البناء السلطوي والسياسي للدولة إلى كانتونات طائفية ومناطقية ، وتخصيب التربة اليمنية بعوامل الفوضى؛ لزرع توترات وحروب أهلية طويلة المدى .
إن من يستولي على السلطة عبر طريق مفروش بأشلاء الضحايا ، وأنين الأطفال والنساء ، وعذابات النازحين والمختطفين والمخفيين قسرا ، وأنقاض المدن والبنى التحتية ، أنى له أن يمارس العمل السياسي ، ويؤمن بحق الآخرين في الوصول للسلطة أو المشاركة فيها ؟! كما أن انتقال المليشيات الإنقلابية من ميادين القتال لأروقة السياسة ، بنفس توجهاتها وأيدلوجياتها السياسية ، سيمنحها فرصة نقل الصراع ، من الحقل العسكري إلى الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي ، وصبغه بصبغة دينية ، تهيئ للدخول في صراع مستقبلي أكثر دموية ، لاسيما وأن اليمن أضحى ساحة مفتوحة لقوى إقليمية ودولية ، تخدم هذا الصراع ، وتجعله في قادم الأيام واقعا مرا يصعب تداركه ، إضافة إلى أن المليشيات ستظل تحتفظ بقدرات عسكرية ، تمكنها من تفجير الصراع في الداخل متى شاءت .
يتطلع اليمنيون لإحلال السلام لا ترحيله ، لإيقاف الحرب لاتأجيلها، ويأملون الحيلولة دون تحول اليمن إلى يمن بنكهة عراقية أو لبنانية ، والمطلوب إسقاط مشروع الانقلاب ، وتراجعه لصالح المشروع السياسي الوطني ؛ بنزع سلاح مليشياته ، وبسط مؤسسات الدولة سيطرتها على كامل التراب الوطني ، ومعالجة قضايا وتحديات ما بعد الحرب معالجة وطنية حقيقة ، على قاعدة عدالة انتقالية ، تجبر ضرر الضحايا ، وتمنع إعادة إنتاج القتلة والفاسدين .