عريب الرنتاوي يكتب:
تركيا والسعودية.. صورة واحدة تروي الحكاية
بزيارته الاستثنائية للمملكة العربية السعودية، يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكمل دائرة استداراته الخليجية، وعاد بعلاقات بلاده مع دول مجلس التعاون الست، أو هكذا يُنتظر، إلى ما كانت عليه قبل عشرية ”الربيع العربي“، وما أعقبت من خلافات واصطفافات متقابلة، وضعت أنقرة في الخندق المناوئ للسعودية والإمارات على وجه التحديد.
القفزة التالية للرئيس الذي اشتهر بقفزاته المفاجئة مؤخراً، ستكون في القاهرة، التي يعمل جاهداً على ”تطبيع“ علاقات بلاده معها، بعد عقدٍ من القطع والقطيعة.
ليس خافياً على أحد، أن وقوف تركيا خلف جماعات ”الإسلام السياسي“، الإخواني بخاصة، طيلة العشرية الفائتة، كان السبب الرئيس وراء توتر العلاقات العربية – التركية وتأزمها، كما أن اصطفاف تركيا خلف قطر إبّان ”الأزمة الخليجية“، مثل ذروة جديدة في مسارات التأزيم، ليبلغ الخلاف بين أنقرة والرياض ذروة غير مسبوقة، على خلفية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
قضايا الخلاف هذه، تفككت الواحدة تلو الأخرى، ”الإخوان“ ما عادوا مصدر قلق لأحد، بعد سلسلة الانهيارات التي ضربتهم بدءاً من مصر، وانتهاء بتونس، مروراً بالمغرب والعراق، ووجودهم في سوريا وليبيا وغيرهما، يتعرض لتهديد جدي من قبل خصومهم ومنافسيهم، ثم إن ثمة مؤشرات واضحة، على استجابة تركية، ليست كاملة، ولكنها كافية على ما يبدو في هذه المرحلة، للتضييق على قادة الجماعة ووسائل إعلامها وهياكلها القيادية التي احتشدت في إسطنبول خلال السنوات العشر الفائتة.
كما أن قمة العُلا (2021) التي أغلقت ملف ”الأزمة القطرية“ ودشنت لمرحلة جديدة من المصالحات الخليجية الثنائية والمتعددة الأطراف، لم تُبق مبرراً أمام أنقرة لإدامة قطيعتها مع دول الخليج، حتى أن بعض المراقبين بات ينظر للتقارب الخليجي – التركي، بوصفه ”مصلحة“ قطرية كذلك.
وعليه، فإن حالة ”السيولة“ التي يشهدها الإقليم بمحاوره المتنابذة والمتصارعة، باتت تملي على مختلف الأطراف، إعادة نظر في تحالفاتها وأولوياتها، محكومة من ضمن عوامل أخرى، بأزمات اقتصادية عمقتها جائحة كورونا وفاقمها اجتياح أوكرانيا.. جائحة واجتياح، تركا العالم في خضم أزمة طاقة وغذاء غير مسبوقة.
لقد كان للرياض ما أرادت من أجل تصحيح مسارات العلاقة الثنائية مع أنقرة، التي سجلت هبوطاً قياسياً في أحجام التبادل العام الفائت، إثر حملات المقاطعة – غير الرسمية – للسلع والبضائع التركية في الأسواق السعودية، فملفات الخلاف يتفكك واحدها تلو الآخر، وآخرها قرار القضاء التركي، وهو قرار سياسي بامتياز، نقل ملف خاشقجي للقضاء السعودي.
ولعل صورة العناق بين الرئيس التركي وولي العهد السعودي، تحكي قصة المفاوضات التي مهدت لاستئناف العلاقة بين الجانبين، ومَن هو الطرف الذي قدم أكبر التنازلات، لجعل هذا الأمر ممكناً.
المصالحة التركية السعودية ليست، في واقع الحال، سوى حلقة في سلسلة المراجعات والاستدارات في السياسة الخارجية التركية، و“هرولة“ أنقرة لاستئناف علاقاتها مع كل من إسرائيل والإمارات ومصر واليونان وأرمينيا، في عودة تأخرت كثيراً لسياسة ”صفر مشاكل“ التي وضعها حليف أردوغان السابق، وخصمه اليوم، رئيس حكومته ووزير خارجيته في مرحلة من المراحل: أحمد داود أوغلو.
هذه الاستدارات ما كانت لتتم لولا تضافر جملة من العوامل، أهمها اثنان: الأول مسلسل الخيبات الذي لحق بـ“العثمانية الجديدة“ وأحلام الهيمنة على العالم العربي بالاعتماد على الجماعات الإخوانية.
والثاني، وربما يكون الأهم، سلسلة الانتكاسات التي أصابت اقتصاد تركيا وعملتها الوطنية، والتداعيات الثقيلة لكورونا وأوكرانيا، على أبواب استحقاق انتخابي، بالغ الأهمية، على مرمى عام أو أزيد قليلاً، سيتقرر في ضوء نتائجه، ليس المستقبل السياسي للرئيس التركي وحزبه الحاكم فحسب، بل وربما مصيره الشخصي كذلك.