افتتاحية الخليج:

ليبيا ولعنة الميليشيات

الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس بين ميليشيات النواصي، وجهاز دعم الاستقرار لم تكن مفاجئة ولا مستغربة، فقد سبقتها اشتباكات بين هذه الميليشيات وغيرها، ما أسفر عن سقوط ضحايا وترويع المدنيين وتهديد متواصل للسلم الأهلي ونذير بعودة الصراعات المسلحة.

هذا أمر طبيعي، لأن هذه الميليشيات بمختلف أطيافها، المحلية والقبلية والإرهابية تمثل كلها خروجاً على مبدأ السلطة الوطنية، وعلى القانون، وبالتالي فإن الصراع فيما بينها هو جزء من تكوينها للاستحواذ على النفوذ والسيطرة، في حالة الفوضى القائمة، والانسداد السياسي في التوصل إلى حل يضع ليبيا على طريق الخلاص منذ الإطاحة بنظام العقيد القذافي، ودخول البلاد في حالة من الانقسام السياسي والأمني والجغرافي، حيث عملت قوى إقليمية ودولية على استثمار ذلك لتحقيق أهداف باتت معروفة لها علاقة بثروات هذا البلد النفطية وموقعه الجغرافي.

الأغرب، هي الأصوات التي ارتفعت للتنديد بهذه الاشتباكات، وهي أصوات لممثلي دول منخرطة في هذا الصراع، ولها دور في الفوضى التي حلت بهذا البلد، بتغاضيها عن الدور السلبي الذي تلعبه هذه الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية، خصوصاً لجهة عدم تطبيق القرارات التي اتخذت من جانب الأمم المتحدة ومؤتمري برلين، والمؤتمرات الأخرى التي عقدت في أكثر من بلد أوروبي وعربي، وكلها تدعو إلى حل هذه الميليشيات وانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، وبعض هذه القرارات تدعو إلى فرض عقوبات على كل دولة أو طرف لا يلتزم بالتنفيذ، والتأكيد على قيام سلطة وطنية وتوحيد الأجهزة الأمنية وتحقيق المصالحة الوطنية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة، كمدخل وحيد لاستعادة الاستقرار والسلام ووحدة التراب.

كل ذلك لم يتحقق، بل زاد الانقسام بوجود حكومتين، واحدة في الشرق برئاسة فتحي باشاغا انتخبها مجلس النواب، وأخرى في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة فشلت في مهمة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتصّر على عدم تسليم السلطة إلى الحكومة الجديدة التي فشلت في الدخول إلى طرابلس، وتم إخراجها بالقوة من جانب ميليشيات تابعة للدبيبة.

السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند توعد المسؤولين عن هذه الاشتباكات بدفع الثمن من جانب الشعب الليبي والمجتمع الدولي، فيما علقت ستيفاني وليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالقول: "طفح الكيل.. كفى يعني كفى.. أدعو إلى حماية المدنيين في كل مكان وفي كل وقت".

أما سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا خوسيه ساباديل فقد وصف الاشتباكات بصادمة ومخزية.

هذه المواقف لا تعني شيئاً، إذا لم تترافق مع إجراءات حاسمة تتوافق مع قرارات تضع حداً لفوضى السلاح والمسلحين والخارجين على القانون من ميليشيات ومرتزقة وقوات أجنبية، وحسم مسألة السلطة والشرعية.