مرة أخرى يدعو مجلس الأمن الدولي إلى وقف الحرب في اليمن ويطالب الانقلابيين الحوثيين بوقف أعمالهم العدائية في مأرب وغيرها من مناطق البلاد، ولكن الجماعة المتمردة لا تستجيب لنداءات السلام، وتصر على تأجيج لهيب الصراع، فبعد دعوة مجلس الأمن، نفذت محاولة عدوانية ضد المملكة السعودية بإطلاق ثلاثة صواريخ باليستية وثماني طائرات مفخخة، دون أن تراعي حرمة عيد الفطر وقداسة القيم الإسلامية في أيام مباركة.
مبعوث الأمم المتحدة الخاص مارتن جريفيث، الذي سيودِّع منصبه قريباً، أبلغ مجلس الأمن بأن جماعة الحوثي تتوهم قدرتها على كسب الحرب عسكرياً وتهميش بقية الأطراف الأخرى، مشدداً على أن غياب العملية السياسية سيحرم اليمنيين من الأمل بنهاية قريبة للنزاع.
وما قاله جريفيث ردده أكثر من نداء عربي ودولي، ونصت عليه المبادرة السعودية للسلام. كما أن الخارجية الأمريكية أعربت عن استيائها من إهدار الحوثيين فرص إنهاء الحرب والعودة إلى المفاوضات مع الحكومة الشرعية.
التهور الحوثي الذي يصل إلى حدود الجنون، لم يمنع الجهود الدولية من الاستمرار في مساعيها الحميدة لإنقاذ اليمن من براثن أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ويتضح من خلال المناورات السخيفة والتنصل من التفاهمات، أن الميليشيات الانقلابية تسعى إلى جر الوضع لمعارك جانبية؛ لأنها تخشى بالفعل من الحل السياسي، بعدما اختطفت اليمن رهينة تحاول أن تساوم بها في صفقات مشبوهة لا علاقة لها بمصلحة اليمنيين ومستقبل الأمن والاستقرار في الإقليم.
اليمن أصبح في قلب الكارثة، ومسؤولية ذلك تقع على الحوثيين الذين لا يريدون أن يروا في المشهد إلا ما تصوره لهم أنفسهم المريضة، على الرغم من أن هذا المسار قد أثبت فشله منذ أن اندلعت الحرب بالانقلاب على الشرعية قبل نحو سبع سنوات. وبعد مرور هذه المدة العصيبة أصبحت الأوضاع شديدة القسوة بسبب رهان الحوثيين على الخيار المسلح الذي أثبت فشله. ففي الحروب الأهلية لا يمكن لطرف أن ينتصر؛ بل الحل يكمن في البحث عن أسس للتعايش المشترك عبر عملية سياسية تمنح كل طرف حقه وحجمه ودوره، وهذا ما سيكون في يوم من الأيام مهما تعنت الحوثيون وكابروا على الاعتراف بالواقع وحقائقه.
الحوثيون جزء من الشعب اليمني ولا يمثلون كل شرائحه، وإذا كانت لديهم نوايا صادقة في السلام، فعليهم الاستجابة للنداءات الدولية والعودة إلى التصالح مع بقية اليمنيين من أجل أن يكون لهم دور مسؤول في المستقبل.
أما الهروب إلى الأمام بتصعيد العدوان على مأرب واستهداف السعودية بطائرات وصواريخ استعراضية فلن يجلب لهم النصر الذي يتوهّمونه؛ بل سيعود عليهم بنتائج عكسية.
فلم يسبق أن فرضت جماعة متمردة أمرها على المجتمع الدولي ولم تكسر إرادة الأمم المتحدة، وهذا لن يكون في المستقبل سواء في اليمن أو غيره، وإذا لم يجنح الحوثيون إلى ما فيه الخير، فسيدفعون الثمن حتى يعودوا إلى الصواب.