منير أديب يكتب:
"الإخوان المسلمون".. ماذا لو عادوا إلى حكم مصر مرة أخرى؟
سؤال جدلي قد لا يتحقق بعدما حكم النّاس على "الإخوان المسلمين"، صحيح أن الجماعة وصلت إلى السلطة في مصر عام 2012، لكن في الحقيقة النّاس هم من حكموا على الإخوان، وربما ثورة 30 حزيران (يونيو) عام 2013 هي أحد مخرجات هذا الحكم الشعبي، فقد تفاجأ التنظيم بخروجه من دائرة الحكم ومن قلوب المصريين أيضاً، التي استحوذ عليها تارة بالعمل الخيري وتارة أخرى بالعمل الدعوي، حتى تبين للنّاس حقيقة التنظيم الذي احتفظ بالسلطة عاماً كاملاً لم ينافسه فيها أحد.
الإخوان حكموا المصريين عاماً، ولكن المصريين حكموا على الإخوان حكماً عاماً بعدم عودتهم إلى السلطة، ليس ذلك فقط، ولكن حكم المصريين بعدم عودتهم إلى الحياة السياسية، التي كانوا يُطلون للنّاس من خلالها، وهنا كان الشعب أذكى بكثير من التنظيم ووقف أمام مخططاته وأفكاره.
باتت الجماعة خارج أي معادلة قد تعود بها إلى الحكم مرة أخرى، فما زالت الجروح متقيئة وما زالت ذاكرة النّاس تحمل الكثير، والمصدومون في التنظيم أكثر؛ فقد نجح التنظيم في ترويج صورة له بخلاف الصورة الحقيقية. هذه الصورة خالت على الكثير من المثقفين والسياسيين؛ فمن أهم ما روّّجوه عن أنفسهم أنهم ذوو صلة بالله "بتوع ربنا" حتى يخرجوا من دائرة الانتقاد، وحتى يصوّروا من ينتقدونهم بأنه ضد الإسلام لا ضد التنظيم، وهي إحدى حلقات الاغتيال المعنوي ضد الخصوم والمختلفين.
كما نجحت الجماعة، عبر تاريخها الممتد الذي قارب القرن، في إبعاد فكرة العنف عن التنظيم، رغم أن التنظيم مارس العنف، في بداية الأربعينات من القرن الماضي، عندما قرر المؤسس الأول حسن البنا في المؤتمر الخامس إنشاء ما سمّاه النظام الخاص، والذي اغتال القضاة والضباط والمواطنين، ومن قبلهم اغتال السياسيين الذين يختلفون مع التنظيم، كما مارسوا العنف بعد ثورة 30 حزيران من عام 2013 عندما قرروا إنشاء ميليشيات مسلحة نفذت عشرات العمليات الإرهابية، وأطلقوا عليها اسم العمل النوعي.
لاحظ هنا أن الجماعة مارست العنف، ولكنها هربت من تسميته مباشرة! قديماً أطلقت على الجناح العسكري للجماعة النظام الخاص، وحديثاً أطلقت عليه العمل النوعي، رغم أنها مارست العنف على المستوى الحركي ومن دون مواربة، من دهاء التنظيم أنه خصص أفراداً لممارسة العنف وترك آخرين للعمل الدعوي، وضع التنظيم قدماً هنا وأخرى هناك، ثم نجح في التسويق لنظرية أن ممارسة العنف كانت في ظرف استثنائي وأن الجماعة لا تقر ذلك، رغم أن الفكرة التي طرحها حسن البنا نفسه مسلحة، أي تدعو أصحابها إلى الدفاع عنها من خلال العنف، ويبدو هذا واضحاً من شعارات الجماعة وأدبياتها، ويبدو أكثر وضوحاً في شعار التنظيم الذي يحوي سيفين، كرمز من رموز العنف وإحدى دلالاته.
بذل الإخوان جهوداً حثيثة للوصول إلى السلطة، وهناك شواهد على ذلك، وعندما وصلوا إليها، فشلوا في إدارة هذه السلطة وبالتالي في الاحتفاظ بها، لم يكلّوا ولم يملّوا منذ هذا التاريخ في إعادة محاولات العودة أخرى، بعدما مارسوا عنفاً مفرطاً، ولكنهم فشلوا في تحقيق الهدف من وراء هذا العنف، وهنا كانوا يراوحون في استخدام العنف، وقد يؤجلون استخدامه في تكتيك بات مفهوماً من واقع التنظيم وتاريخه.
- المصدر: صحيفة النهار
الضمانة الوحيدة لعدم عودة الإخوان للسلطة تتمثل في الشعوب العربية التي أدركت حقيقة التنظيم، هذه الحقيقة التي أصبحت لامعة عندما تملكوا من حكم مصر، فكانت صورتهم أكثر وضوحاً للبسطاء من النّاس، الذين قرروا التخلص منهم بصورة نهائية.
وهنا نؤكد أن حكم البسطاء على الإخوان أكثر صدقاً من النخب؛ هؤلاء البسطاء يحكمون بقلوبهم قبل عقولهم التي فرزت التنظيم وكشفت زيف أفكاره وهشاشة مبادئة، فلم يعد التنظيم قادراً على الاحتماء ولا احتواء الطبقة الشعبية التي كانت تحميه من أي مواجهة سياسية (الأحزاب والقوي السياسية) أو أي مواجهة أمنية.
وهنا نود القول إن سقوط الإخوان في مصر لم يكن سقوطاً سياسياً، كما يظن الإخوان أنفسهم، الجماعة تصور لنفسها وأتباعها أنها مرت بإخفاق ما، وقد تعود بعده، وهذا غير صحيح، الحقيقي فيه هو سقوط الجماعة، ولكنه لم يكن سقوطاً سياسياً، بل كان سقوطاً أخلاقياً وقيمياً، سقطت أفكار التنظيم قبل أن يسقط التنظيم نفسه، ويبدو إمكان عودته الى السلطة أو الشارع الذي امتلكه في وقت من الأوقات مستحيلاً.
الفكرة المؤسسة للإخوان ما عادت مغرية لأحد، وباتت مفككة مهلهلة، لا قيمة لها ولا رجاء منها، صحيح لا تنظيم يملأ الفراغ الذي كانت تملأه هذه الجماعة في الشارع العربي، ولكن سقطت الروافع التي كانت تحمل الجماعة إلى النّاس، وهذا ما يدفعنا للتأكد من عدم عودة التنظيم مرة أخرى.
لا يمكن الحكم بأن الإخوان لم يعودوا موجودين، ولكننا نستطيع أن نحكم بأنهم غير مؤثرين، ولا يمكن الحكم بتفكك التنظيم، وبأنه لا تأثير له، ولكننا نؤكد أنه ما عاد قادراً على التحليق كما كان في السابق، جهود كثيرة بذلك في سياق تفكيك التنظيم والفكرة، لكن هذه الجهود لم تتوّج بصورة كبيرة حتى يمكن القول معها إن التنظيم انتهى من الوجود تماماً.
سيقترب الإخوان من السلطة ولن يصلوا إليها بسبب الحواضن الشعبية التي ما زالوا يتمتعون بها عبر خسائرهم في عدد من العواصم العربية، ولكن من يستخدمهم سيلقي بهم في أول سلة قمامة، لأنه لم يعد مرحباً بهم على المستوى الشعبي، وما عاد التنظيم لديه ما يستطيع أن يقدمه للنّاس غير العنف والكراهية.
مفهوم علاقة الإخوان بالعنف قديم، سواء علاقة الفكرة المؤسسة بالعنف أم الممارسة العملية للتنظيم، فمحطات الجماعة كلها مليئة بالعنف، وقد مارس الإخوان العنف بعدما فقدوا السلطة أو أفقدهم النّاس ذلك على خلفية ثورة شعبية، لم يتخلّ التنظيم عن العنف ولن يتخلى عنه، فهم ينظرون إلى العنف نظرة استراتيجية قد تحكم فلسفتهم في الحكم على الأشياء حتى ولو عادوا إلى السلطة فسيكونون أمراء انتقام ممن خالفهم أو انتقدهم أو كشفهم، ولن يتسامحوا مع من أفقدوهم أعز ما يملكون وهي السلطة.
لن يعود الإخوان إلى حكم مصر، فهم ما عادوا قادرين على حكم أنفسهم، ولعل الانقسامات التي يعيشها التنظيم الآن هي خير شاهد على تفكك التنظيم والفكرة معاً، فمن الخطأ اختصار ما حدث للجماعة من انقسامات على أنها تفكك للتنظيم، فهي تفكك للفكرة المؤسسة أيضاً، وما حدث للتنظيم هو انعكاس لما حدث للفكرة من تفكك، "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، هم كثير ولكنهم منقسمون على أنفسهم.
الذين يراهنون على عودة الإخوان إلى الحكم، يراهنون على عودة اللبن إلى الضرع بعد حلبه، فالإخوان لم يكونوا مؤهلين للسلطة ولا أفكارهم قادرة على أن تحملهم للنّاس، وعندما وصلوا إليها فشلوا في التعامل مع النّاس وانكشف وجههم القميء ولم يحتفظوا بها ولن يصلوا إليها ثانية.
الإخوان والسلطة مساران متنافران، لا يمكن أن يكونا متوازيين ولن يكونا مساراً واحداً، الإخوان لا يملكون أي مقومات قد تعود بهم إلى السلطة أو النّاس مرة أخرى، ولن يستطيعوا أن يؤثروا في هؤلاء النّاس مرة أخرى، سوف يظلون يرددون مظلوميتهم في الفضاء الإلكتروني من دون أن تجد آذاناً صاغية أو قلوباً تعيها أو تؤمن بها، بل ستظل محاولاتهم مجرد صراخ لن يصل بهم إلا إلى القاع.