صالح البيضاني يكتب:

الأجندة الأميركية والوجوه الخفية للحوثي

يمر الملف اليمني على الصعيدين السياسي والعسكري بما يمكن وصفه، بالهدوء الذي يسبق العاصفة، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحويل الهدنة الأكثر هشاشة إلى سلام هش أيضا، بمواصفات تخدم أجندة الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي سيتصدر ملف الحرب في اليمن زيارة رئيسها الأكثر ارتباكا جون بايدن إلى السعودية، وفق ما أظهرته تصريحات مسؤولين في البيت الأبيض الذين حاولوا حشر الملف اليمني في أضابير الزيارة وتحويل الهدنة إلى منجز أميركي.

وعلى وقع الزيارة المرتقبة لبايدن، تتسرب معلومات حول تحويل اليمن إلى مادة دعائية في برنامج تحسين صورة الإدارة الأميركية التي تلاحق الزمن لتحقيق أيّ إنجاز دبلوماسي يحسّن وجهها الممتلئ بندوب الإخفاقات، بدءا من الحرب الأوكرانية، مرورا بالأزمة الاقتصادية ووصولا إلى أزمة حليب الأطفال التي ضربت بلاد العم سام.

ولا تتسق الجهود الأميركية أو تلك التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن لشق مسار غير ممهد للسلام، مع حقيقة التحديات الماثلة على الأرض جراء الدور الإيراني المتصاعد في دعم الميليشيات الحوثية أو الخلفيات الأيديولوجية للصراع، حيث تراوح تلك الجهود مكانها كتعبير عن الرومانسية الغربية في التعامل مع ملفات العالم الثالث، عوضا عن كونها انعكاسا لحالة البراغماتية في التعاطي السلبي مع القضايا الساخنة والمقايضة بها أو توظيفها في صراعات إقليمية أو دولية، كما هو الحال مع الحرب اليمنية التي تحولت لما يشبه “فأر التجارب الدولية” في مجال الابتزاز والدبلوماسية السوداء.

لا تتسق الجهود الأميركية أو تلك التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن لشق مسار غير ممهد للسلام، مع حقيقة التحديات الماثلة على الأرض جراء الدور الإيراني المتصاعد في دعم الميليشيات الحوثية

وتتمحور أجندة واشنطن كما تقول التسريبات وكثير من الآراء المتداولة على تحويل اليمن من ملف ساخن يزعج العالم، إلى ملف منسي قليلا يمكن استحضاره في بعض الأوقات، عبر إدخاله في نفق اتفاقات جديدة لا تلبّي شروط السلام الحقيقية ولا تنهي الحرب التي يبدو أن الحوثيين يدركون أن المجتمع الدولي يريدها أقل ضجيجا وأن تكون داخل حلبة مغلقة لا تضم مباشرة أيّ أطراف إقليمية.

ووفقا لقراءة سريعة لطبيعة التعاطي الحوثي مع الجهود والرغبات الدولية، يبدو جليا أن الحوثيين يسيرون في خطوط متوازية، للتحضير للمرحلة المقبلة، بروح مشبعة بغبار الحرب، وبوجهين مختلفين، الأول يلبّي رغبة الميليشيات في السيطرة والتمدد وانتهاز لحظة الارتباك المحلي والإقليمي والدولي، والآخر هو انعكاس تام للمشروع السياسي والعسكري لطهران.

وعلى ملامح الوجه الأول ترتسم استعدادات الحوثيين لخوض معركة جديدة يبدو أن هدفها الأول والأخير هو السيطرة على مأرب بما تحمله من أهمية استراتيجية في الحرب ومكاسب ثقافية وسياسية واقتصادية، وفي الوقت ذاته محاولة فصل مسار الهدنة مع الأطراف اليمنية عن الهدنة مع التحالف العربي واستثمار المزاج الدولي والضغوط الأميركية في تحقيق هذا الهدف.

أما الوجه الآخر الذي يحضره الحوثيون للظهور به على العالم في المرحلة القادمة، أو وفق ما تستدعيه الاحتياجات السياسية والعسكرية لإيران فتكشف عنه معلومات متواترة عن حشد الحوثيين بدعم من الحرس الثوري الإيراني لإطلاق نسخة بحرية من فوضى الطيران المسيّر التي استهدفت إمدادات الطاقة العالمية خلال الفترة الماضية، حيث يعمل الحوثيون أو إيران على الأصح بواسطة أدوات حوثية تحت جنح الهدنة الأممية على صنع نظير بحري رخيص التكلفة للطائرات المسيّرة، ويكون الهدف منه ضرب حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب واستهداف السفن وإيقاف حركة النقل البحري في هذا الممر الاستراتيجي في الوقت الذي تحدده طهران أو عندما يرغب الحوثيون أنفسهم في ابتزاز العالم الذي ظل يتعامل معهم بنعومة لم يألفوها ولم يتوقعوها وهم يسيرون قدما في مشروعهم الأيديولوجي المتطرف الذي ما يزال المجتمع الدولي لا يدرك خطورته على أمن العالم أجمع وليس المنطقة أو ربما يتعامل معه كوحش تمكن السيطرة عليه عندما تستدعي الحاجة ذلك.