صالح البيضاني يكتب:
فك الاشتباك الإقليمي في الصراع اليمني
شهدت المنطقة حراكا دبلوماسيا وسياسيا متسارعا لتفكيك الكثير من ملفات الصراع المحتدمة والتي بلغت ذروتها بالتوازي مع تصاعد حرب اليمن وتداعياتها الإقليمية، وقد كانت أبرز ملامح هذا التحول الاتفاق السعودي – الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتقارب السعودي – الإماراتي – المصري مع تركيا، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وقبل ذلك المصالحة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة.
وفي كل تلك الملفات يحضر الملف اليمني بطبيعة الحال كمحور رئيسي في المصالحات، وتحديدا بين الرياض وطهران، والتي كان اليمن حاضرا بقوة في كواليس المشاورات التي يقال إنها استمرت لثلاث سنوات بين البلدين بوساطة عمانية – عراقية قبل أن تتوج بمباركة وضمانات صينية.
وعلى الرغم من حالة التفاؤل الشعبية التي ظهرت علاماتها على مواقع التواصل الاجتماعي لمباركة هذا التقارب بين الدول التي خاضت صراعا مفتوحا على مختلف المستويات، إلا أن سقف توقعات وآمال المسؤولين الرسميين في تلك الدول لا يبدو مرتفعا، حيث يظل ترقب مستويات الالتزام سيد الموقف وخصوصا في الشق العملي من هذه الاتفاقات التي لم يعلن حتى الآن عن كامل تفاصيلها، فيما تتسرب بعض بنودها من خلال تصريحات رسمية من قبل مسؤولين رفيعين في الرياض وطهران.
ومن أبرز التصريحات التي أماطت اللثام عن جدية الحوارات التي سبقت الإعلان عن اتفاق بكين، الكشف عن تعهد إيران بوقف تهريب السلاح للحوثيين، وهو الالتزام الأكثر تحديا بالنظر للعلاقة العضوية بين النظام الإيراني والميليشيات الحوثية التي ظلت طوال السنوات الماضية تمارس دور مخلب القط الإيراني في المنطقة الأكثر ضراوة والأشد اندفاعا لخدمة هذا المشروع.
الملف اليمني ظل على رأس قائمة الحوارات الإقليمية التي دارت لسنوات في الكواليس السرية، وخصوصا بعد أن فشلت كل الحلول في فرض رؤية طرف إقليمي على آخر
أما عن أسباب هذا التدفق المفاجئ للاتفاقات والمصالحات التي شهدتها المنطقة، فيبدو لي أنه تعبير في المقام الأول عن حالة من الإحباط وخيبة الأمل إزاء المجتمع الدولي ومواقفه المتضاربة، وتحديدا الموقف الأميركي والأوروبي الذي بدا كمن يستثمر في أزمات المنطقة ويضع لها حلولا هزلية تزيد من اشتعالها ويشجع جميع الأطراف على الانخراط في صراع لا ينتهي بالفوز أو الخسارة.
وقد ساهم غياب الدور الدولي الفاعل والجاد في الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط تحديدا وما ترافق مع ذلك من خسائر سياسية واقتصادية وأمنية تكبدتها كل القوى الفاعلة في المنطقة، في تبلور نوع من المصالحات التي تقوم على مبدأ عقلنة الصراعات والتراجع من طور الحروب السياسية والأمنية والاقتصادية المفتوحة إلى طور الصراعات الخفية وسياسة الضرب تحت الحزام، ومعالجة الخلافات عند اللزوم في إطارات دبلوماسية واستخبارية تقليدية لا تخلو من سوء النوايا وانعدام الثقة.
ظل الملف اليمني على رأس قائمة الحوارات الإقليمية التي دارت لسنوات في الكواليس السرية، وخصوصا بعد أن فشلت كل الحلول في فرض رؤية طرف إقليمي على آخر، وباتت مساعي فك الاشتباك الإقليمي في اليمن تتصدر أولويات الدول الفاعلة في الملف اليمني، وهو ما يكشف عنه التزام إيران بوقف دعمها العسكري المباشر للحوثيين بحسب مصادر قريبة من كواليس الاتفاق، وهو الدعم الذي أجج طيلة السنوات الماضية من الصراع اليمني وجعل شظاياه تمتد إلى خارج الخارطة الجيوسياسية اليمنية، فزاد ذلك من عزلة إيران الإقليمية والدولية وخسائرها الاقتصادية وضاعف في المقابل من قلق دول جوار اليمن والمجتمع الدولي عموما من تداعيات حرب إقليمية تلوح في الأفق ومخاطر تتهدد إمدادات الطاقة العالمية وممر الملاحة الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن.
وفي الخلاصة أن الحرب في اليمن تحولت بعد ثماني سنوات من اندلاعها إلى عبء سياسي واقتصادي وأمني على الدول المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الحرب، وهو ما دفع تلك الدول في نهاية المطاف إلى التصالح على قاعدة فك الاشتباك وإعادة رسم قواعد وحدود التدخل الإقليمي في الحرب اليمنية، وهو الرهان الذي لا يزال مرتبطا بحقيقة التزام طهران بالتخلي عن أهم أذرعها العسكرية في المنطقة للحفاظ على باقي جسدها المترهل.