صالح البيضاني يكتب:
المجلس الرئاسي اليمني في مواجهة تركة السبع العجاف
عندما أعلن الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي في أبريل 2022 تخليه عن السلطة لصالح مجلس رئاسي مكون من ثمانية أعضاء يمثلون القوى الحقيقية والفاعلة التي تشكلت على الأرض خلال سبع سنوات من الحرب، كان الفاعلون المحليون والإرادة الإقليمية والدولية قد حسموا أمرهم تجاه شكل السلطة المهترئ الذي تشكل وفق المبادرة الخليجية في العام 2011 واكتملت صورته بعد الحرب التي شنها الحوثيون في العام 2015.
وضع المجتمع الدولي والإقليم والكثير من المكونات السياسية اليمنية في 2012 ثقتهم في الرئيس السابق هادي، كرئيس انتقالي تظهر عليه علامات المرونة والتحرر من تأثير مراكز القوى التقليدية آنذاك، ولكنه سرعان ما تحول إلى مركز جذب لعوامل الإخفاق اليمني بكل صوره سواء تلك المرتبطة بالسلم أو حتى بإرادة الحسم العسكري وفرض واقع يعزز من مكانة السلطة الشرعية في مواجهة انقلاب حوثي شرس مدعوم بعنف أيديولوجي ودعم إيراني.
الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 لم يكن فقط خلاصة تحولات داخلية وإرادة شعبية يمنية، لكنه كان خيارا حظي بدعم الإقليم والعالم لرؤية تمثيل أكثر واقعية للشرعية اليمنية
تحول هادي خلال السنوات الأخيرة من حكمه إلى رئيس هلامي وغير محسوس في تفاصيل المشهد اليمني، وكان غيابه المادي عن تفاعلات المشهد والامتناع عن اللقاء بأركان حكمه المفترضين، وحتى الغياب عن الحضور في المناسبات الرسمية أو الكوارث الوطنية التي ألف الناس أن يطل فيها الرئيس للحديث من وراء الشاشة الفضية، مؤشرا على موت سريري يمر به الرجل ونهاية لحقبة يمنية اتسمت بالفشل الذريع.
في حقيقة الأمر، كان الرئيس هادي في أواخر أيامه الرئاسية يعيش في حالة بيات مزمن طوال فصول السنة، وكانت الأخبار عن وفاته الكاذبة سمة يومية على منصات الأخبار اليمنية، يعزز ذلك غيابه الطويل واحتجابه عن العالم لأسباب تتعلق بمزاجه الشخصي ورغبة من حوله من الدائرة الضيقة في الحفاظ على هذا الكنز الثمين الذي يوفر لهم السلطة والمال وتقاسم إيرادات الدولة الهشة من دون جهد يذكر، بعيدا عن الأضواء.
هذه الدائرة الضيقة من الأقارب والأبناء، كانت تقوم بدور الحاجب ونقل الأوامر والقرارات من سرداب الشرعية الغامض حينها، في الوقت الذي فضل هادي بقرار شخصي المكوث في الظل لأطول فترة ممكنة ترافقه أغاني “فيصل علوي” والخروج فقط لدوافع نادرة من بينها التصدي لكل همسة عابرة يعتبرها مساسا بشرعيته التي جاء إليها عبر انتخابات صورية دون منافسين.
كان خيار انتقال السلطة من رئيس محتجب يستكثر على مواطنيه حتى الظهور بخطابات رديئة ومكررة حول المحطات المصيرية التي مر بها الملف اليمني، قرارا هو الأصوب منذ اندلاع الحرب اليمنية، وكان اختيار أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الذين انتقلت إليهم الشرعية، نابعا من إرادة شعبية يمنية منقطعة النظير وتعبيرا عن حقيقة الواقع الذي شكلته سنوات الحرب.
الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 لم يكن فقط خلاصة تحولات داخلية وإرادة شعبية يمنية، لكنه كان خيارا حظي بدعم الإقليم والعالم لرؤية تمثيل أكثر واقعية للشرعية اليمنية في مواجهة المخالب الحوثية التي ظلت تواجه طيلة سبع سنوات رئيسا لا يمتلك في قاموسه الخاص بالحرب والسلام، إلا التأكيد على شرعيته دون أن يعمل على تعزيز تلك الشرعية المفترضة شعبيا وسياسيا وعسكريا على الأرض.
تظهر اليوم بين الحين والآخر أحاديث عن خلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي بعضها صحيح والبعض الآخر مختلق، وفي الحالتين، يعبر هذا الخلاف.. عن حالة صحية
قد يكون الحديث عن سيرة رئيس سابق بات جزءا من التاريخ، ضربا من نَكء الجراح التي أدمت قلب الشارع المناهض للانقلاب الحوثي الذي كان يستحق قائدا أفضل لمواجهة هذا المشروع في اليمن، ولكن الإشارة إلى أسباب الإخفاق والفشل الذي لازم الشرعية قبل تحررها من أسر مجموعة صغيرة من المنتفعين وهيمنة تيار سياسي وحيد، هو المدخل المناسب باعتقادي للوقوف على خلاصة عام تقريبا من عمر مجلس القيادة الرئاسي الذي بات اليوم الرافعة السياسية في مواجهة الميليشيات الحوثية سلما أو حربا والتحديات التي تواجه هذا المجلس.
في أبريل القادم سيكون عمر المجلس الرئاسي قد بلغ عاما منذ تشكيله، وخلال هذا العام ظل عرضة للانتقادات من بعض الأطراف، بعضها بحسن نية نتيجة ارتفاع سقف التوقعات الشعبية من هذا المجلس، والبعض الآخر تقودهم نواياهم السيئة التي تنطلق من خسارتهم لجنّة الفساد والتهميش التي ظلوا يتفيأون بظلالها طيلة سنوات، إلى جانب التيار الثالث الذي يمثله الحوثيون وفريق من الإخوان رأوا في مجلس القيادة الرئاسي انتكاسة لحساباتهم السياسية ومصالحهم الذاتية التي كان استمرارها واتساع رقعتها يتمحوران حول الرهان على تلاشي وذوبان الشرعية نتيجة العبث في إدارتها وكذلك حالة الانفصام بين نفوذ هذه الشرعية السياسي وثقلها الغائب على الأرض.
تظهر اليوم بين الحين والآخر أحاديث عن خلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي بعضها صحيح والبعض الآخر مختلق، وفي الحالتين، يعبر هذا الخلاف بين أطراف فاعلة على الأرض ولديها جمهور ورصيد في مواجهة المشروع الحوثي عن حالة صحية، بعد أن كان المرض يستشري بصمت في أوردة الشرعية ومؤسساتها طيلة السنوات الماضية، ويتلاشى معها الأمل في ميلاد واقع جديد يعيد التوازن لجبهة المناهضين للحوثي ويضخ الدماء في أوردة المؤسسات التي استوطنها الفساد والمحسوبية والمزاجية وهيمنت عليها سياسات الإقصاء التي طالت الجميع بما في ذلك القوى الفاعلة على الأرض التي انتصرت على المشروع الحوثي.
لم يتحقق الكثير خلال الشهور العشرة الماضية من عمر مجلس القيادة الرئاسي وهو شيء طبيعي مقارنة بحجم الصعوبات والتحديات التي ورثها المجلس الرئاسي عن جثة الشرعية السابقة، ولكن القطار في كل الحالات يسير ببطء في ظل الظروف التي تحيط بالشرعية واتساع جبهة المناورة السياسية داخل المجلس، لكن ثمة قطار يسير في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، لترميم البيت الداخلي للشرعية وإعادة رسم قائمة أولويات الحرب والسلام وقبل ذلك إصلاح ما أفسدته السبع السنوات العجاف.