عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):
إرادةٌ أقوى من سياسة خطف الرهائن!
إختطاف الرهائن من قبل أي مجموعة فعل مشين ومقيت، وخاصة إذا تم ارتكابه من قبل حكومة بعينها فإنه جريمة، ونظرا لتعلقها بنوع وتوقيت وأبعاد فأنها نقطة من أحد أطياف الجرائم، والنظام المتسلط على إيران هو مثال واقعي ملموس على ذلك بالعقود الخمسة الماضية وكذلك هو الأسوأ من نوعه، ذلك لأنه شق توأم لجرائم هذا النظام الأخرى من قتل وإعدام واغتيال وإبادة وتفجير!
بدأ النظام الإيراني الحالي حكمه الشرير بإختطاف مواطنين من دول أخرى كرهائن، ولم ينأى بنفسه عن هذا التكتيك الإجرامي بل أضاف إليه أبعاداً أسوأ كل يوم كنهج له! لقد قام هذا النظام زورا وبهتانا (!) بخطف الرهائن تحت شعار الدفاع عن إيران والإسلام والشعب، وسخر مؤسساته الخارجية وخاصة سفاراته للمضي قدما في تنفيذ هذه الجرائم.
الإسترضاء مع مصرفيي الإرهاب العالمي!
شهدنا على الدوام حالات عديدة من هذا النوع من الجرائم على يد النظام الإيراني خلال الـ 44 سنة الماضية، و المؤسف في الأمر أن الدول والحكومات الغربية قد تعاملت معه وفق سياسة "الإسترضاء والمهادنة"، ولذلك استطاع النظام الإرهابي الحاكم استخدام هذه الوسيلة وبطرق مختلفة لتحقيق أهدافه الشريرة خاصة عند مواجهة التحديات والأزمات، ويأتي في مقدمة ذلك إستخدام هذه الوسيلة على رأس توجهاته لمواجهة البديل الديمقراطي الوحيد ألا وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وكانت أحدث حلقات المواجهة هذه هي الصفقة بين الحكومة البلجيكية والنظام الإرهابي المتحكم والمتسلط على إيران، وبموافقتها على مشروع قانون تبادل السجناء فيما بينهما تكون الحكومة البلجيكية قد اختارت أن تلعب على أرض النظام الإيراني وذلك أمرٌ خطيرٌ للغاية!
وجدير بالذكر أن أول نتاج لهذه الصفقة المشينة هو نقل الدبلوماسي الإرهابي أسد الله أسدي من سجن بلجيكا إلى إيران في ظل سلطة نظام الإرهابيين هذا أي إلى المكان الذي أعد وهيأ القنبلة وإرسلها إلى أوروبا مستخدما دبلوماسيا كغطاءا لذلك لتنفيذ عملية التفجير في الاجتماع السنوي للمقاومة الإيرانية بباريس عام 2018 وهو الدبلوماسي الذي تم إلقاء القبض عليه فيما بعد!
وقد تم إكتشاف هذه المؤامرة الإرهابية الكبرى من قبل الشرطة في الساعات التي سبقت الاجتماع السنوي للمقاومة الإيرانية الذي حضره مئات القادة من قارات العالم الخمس، ومن بين الحاضرين كانت السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، وأُلقي القبض على الدبلوماسي الإرهابي أسد الله أسدي على رأس فريق إرهابي من أربعة أشخاص ومن خلال تتابع المراحل القضائية حُكِم عليه بالسجن عشرين عاما، وصدرت أحكاما مماثلة أيضا بحق باقي أعضاء الفريق الآخرين.
إختطاف الرهائن ، وسائل للمضي قدما بنشر الإرهاب!
قام النظام الإيراني خلال أربعة عقود من حكمه بالتوازي مع الاعتقالات، والتعذيب والإعدامات والإبادة، والاغتيالات والتفجيرات، ومختلف أنواع الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالشعب الإيراني قام بإختطاف الرهائن من مواطني الدول الأخرى (وخاصة المواطنين مزدوجي الجنسية) ونهج النظام هذا جزءا من برامج مُعدةً ومصممة للتقدم في تحقيق أهداف إرهابية وتوسعية.
عبر أشكال مختلفة من الخداع والتآمر جر هذا النظام مواطني الدول الأخرى إلى إيران، وهناك بعد صنع ملفات أولية ومناسبة لأهدافه وتحدياته وأزماته يتم سجنهم وإساءة معاملتهم لإساءة استغلالهم والإستفادة منهم على طريق بناء أهداف إرهابية أو تحقيق مكاسب إجرامية سياسية، ومكاسب اقتصادية إذ أنه بحسب وثائق مختلفة فقد أُخِذَت منهم "اعترافات قسرية" بعدة حالات من أجل إضفاء الشرعية على عملية الإختطاف.
لا يخفى على أحد أن ولي الفقيه الحاكم في إيران قد استخدم على الدوام "وسيلة الرهائن" في الأمورالدبلوماسية من أجل بقاء نظامه، وبسبب ضعف الحكومات الغربية في انتهاج سياسة حاسمة ضد سياسة خطفه للرهائن استطاع علي خامنئي أن يكسب الموقف بشكل "تام" ويفرض مطالبه على الحكومات بهذه الطريقة!
إن نهج المهادنة والمراضات المتبع من قبل الحكومات الغربية في مواجهة مطالب نظام الرهائن المتسلط على إيران لم تكن فقط عاجزة على كبح جماح إرهاب وتوسع هذا النظام بل أدى إلى ما نشهده كل يوم من انتشار للإرهاب والأصولية والتطرف على يد هذا النظام، وإن هذه لوصمة عار على أُلصِقت على جبين المجتمع الدولي.
ألم مشترك لمواجهة سياسة الإسترضاء!
ونتيجة لذلك تمكن النظام الإيراني من زيادة نطاق عمليات احتجاز الرهائن في العالم من خلال سفاراته تحت غطاء العمل الدبلوماسي! (اقرأ أوكار التجسس والإرهاب) حيث يعتقد مارك دوبويتز المدير التنفيذي لمركز أبحاث الدفاع عن الديمقراطيات بأن إيران تستخدم الرهائن الذين تختطفهم كورقة مساومة في خضم الأزمات وصراعها مع الغرب:
"من المؤكد أن جمهورية إيران الإسلامية تختطف الرهائن منذ أربعين عاما وقد حولت هذا لإجراء إلى أداة حرب، حيث يعتقلون الأبرياء من المواطنين الأجانب أو من ذوي الجنسية المزدوجة بتهم واهية باطلة في خضم صراعاتهم مع باقي دول العالم، ويستخدمون هؤلاء الرهائن كـ ( ورقة مساومة ومقايضة ) مع الغرب دون محكمة علنية ودون احترام لحقوقهم الإنسانية، ويعمل النظام على خلق حالة من الرعب والخوف والترهيب ليبقي الأجانب بعيدا عن إيران على المدى القصير، أما على المدى البعيد فتظهر الجمهورية الإسلامية خوفا ورعبا من الشعب الإيراني.، وفي النهاية سينتصر الشعب."
حملة راية النضال ضد سياسة خطف الرهائن وإرهاب النظام الإيراني!
لن يتغير نهج الحكومات إزاء خطف الرهائن لطالما هيمنت سياسة الاسترضاء والمهادنة على الحكومات الغربية، ولقد تم إثبات هذه الحقيقة عدة مرات، وتجدر الإشارة إلى جانب هذه الحقيقة إلى أن الضحايا الرئيسيين لتعامل الحكومات الغربية مع النظام الإيراني اللاإنساني هم الشعب والمقاومة الإيرانيين، ولهذا السبب فإن المقاومة الإيرانية بصفتها الحامل الرئيسي لراية فضح مثل هكذا صفقات حيث عملت دائما على حماية مصالح الشعب الإيراني ودفعت ثمن ذلك في الميادين ولا تزال، وبهذا الخصوص قال السيد مايكل فريليتش عضو البرلمان الاتحادي البلجيكي في خطابه الذي وجهه للمقاومة الإيرانية في الأيام الأخيرة: "إننا لا نستطيع أن نقف أمام إقرار القانون في البرلمان بمفردنا، ولذلك نحن بحاجة لحملتكم ومساعدتكم".
من البديهي أن مصير أي بلد يقرره شعب ذلك البلد وممثلوه المنتخبون وفي النهاية يكون القرار لحكومة ذلك البلد، أما ما يتعلق بالشعب الإيراني ومقاومته فإنه يتوجب عليهم قلب طاولة المقايضة لصالح الشعب الإيراني وكشفها وفضحها ، وتوعية الرأي العام العالمي بها، والتحريض عليها!
ضمير الإنسانية المعاصرة!
نشهد كيف الآن كيف أثارت هذه الصفقة المخزية الضمائر الحية للشعب البلجيكي وباقي دول العالم، بما في ذلك بلجيكا حيث إتسعت أصداء الخطاب الموجه لرئيس وزراء هذا البلد إذ يقولون له "لقد شوهت سمعة بلدنا وأرقت ماء وجهنا في العالم كله!"، وممالا شك فيه أن حكومة هذا البلد ستضطر إلى دفع ثمن هذا العمل القبيح في المستقبل القريب، هذا وقد وصف أحد أعضاء البرلمان البلجيكي الموافقة على مشروع هذا القانون في لجنة العلاقات الخارجية بــ "اليوم الأسود لبلجيكا" وقال: "ينبغي على حكومة (بلجيكا) أن تخجل" وتوجه إلى الأشخاص الذين صوتوا بالإيجاب لصالح مشروع هذا القانون في لجنة العلاقات الخارجية متسائلا : "هل يمكنهم النظر إلى أنفسهم في المرآة؟".
وعليه فإن ما يبعث على الإرتياح ويمكن إعتباره والإشارة إليه بالسبابة على أنه إنجاز كبير هو عدم تقاعس الرأي العام العالمي والمشهد السياسي والقانوني والصحافي عن إبراز هذه الصفقة المخزية والنفور منها.