أحمد الخالصي يكتب لـ(اليوم الثامن):
المشهد السياسي العراقي.. داخل متوتر وخارج مطمئن
لا يمكن النظر للمشهد بالمجمل مالم يتم الإحاطة بكافة عناصره, والتي أهمها الداخل كعامل ارتباط مباشر, والخارج كمؤثر بحسب, أي قد يكون فوقي (رهن الإرادة الداخلية به), أو مرنًا (يتماشى مع فرضيات الواقع الموجود على الأرض), أو متساويًا ( حينما تكون الدولة مستقلة في كافة مجالاتها), أو أقل ( في حالة كون الدولة عظمى) أي هي من تؤثر في النظام الدولي, بلحاظ أن الهرمية الفوقية للعامل الخارجي تكاد تكون مندثرة, إذا يبدو أنها منسجمة مع مراحل الاستعمار العسكري, ولم تعد ملائمة مع حالة التمدد الإعلامي الذي أخذ تطورًا طوليًا من الناحية المؤسسية, وتوسعًا عرضيًا بالنسبة للمتلقي, وما يفرزه ذلك من تأثر وتأثير متبادل بين ما قلناه وبين المزاج العام العالمي, بينما نعتقد بأن التأثير المرن للعامل الخارجي هو الأكثر شيوعًا وانسجامًا مع مختلف التطورات التقنية ( مع تضمين التمدد الإعلامي) والاتجاهات القومية المتنامية للبلدان, فيما يعد التساوي مؤشرًا على صعود قوة الدولة وزيادة تأثيرها قبالة التقلص العكسي للتأثر, فيما يقل عند الدول الكبرى والتي رسمت وسترسم المسار الدولي.
وانطلاقا من ذلك وبالاستناد إلى المعطيات الإقليمية والدولية, نرى حالة من عدم الانسجام تحدث بين الداخل العراقي وما يجري في الخارج, بعكس ما تم الاعتياد عليه, مع عدم استبعاد أن تكون هذه الحالة مختلقة!.
ويتضح من خلال التتبع الدقيق للنظام الدولي، عدة معطيات:
1_ الربط النسيجي للنظام الدولي بالرأسمالية الليبرالية, جعلت منه في شبه وحدة والتي نستطيع أن نسميها بالكونفدرالية الاقتصادية, مما جعلته هشًا من الداخل في حال تعرضه إلى أي تصدع في أي بقعة عالمية ذات فاعلية فيه.
2_ الصعود الصيني المتسارع والمزاحم، وصيرورة المعادلة العالمية إلى التعددية القطبية، يعطي مزيد من الخيارات للدول، مقابل محاولات أمريكية مستمرة في مواجهة ذلك.
3_ ارتباطا بالنقطة الثانية، فأن من شأن ذلك إن يؤدي إلى زيادة حدة التصدعات مهما كانت خيارات الدول، فحتى في حالة بقاء الوضع على ماهو عليه، والذي بدوره يدعم من حالة شبه الوحدة للمنظومة الدولية، هذه الوحدة من شأنها إن تحول أي مشكلة اقتصادية أو عسكرية محلية أو بين دولتين، إلى معضلة عالمية، تلقي بظلالها على المنظومة ككل بشكل مباشر وغير مباشر بكثير من الأحيان.
4_ حالة التسكين الإقليمي المتبع حاليًا فيما يخص الصراعات، والذي فرضته العوامل أعلاه، يساهم في عملية هدوء نسبي مؤقت، وهذا ما يدفع الدول المؤثرة بالمنطقة إلى التهدئة كخيار جوهري، والتلويح بالتهديدات كمناورة كحد أقصى.
5_ تدعم حالة التسكين هذه، الحفاظ على تدفق الطاقة من المنطقة, بل والسعي إلى زيادتها كما تدفع بذلك أميركا, لتعويض صادرات الطاقة الروسية, وهذا الشيء لن يكتب له أي نجاح مع أي تأجيج صراع محتمل.
بينما يسود حاليًا على المستوى المحلي حالة من الانغلاق الصوري الذي أعتدنا عليه، ولكن ضمن أُطر أعم ألا وهي التعبئة الجماهيرية، كمدخلية ضغط وأداة فاعلة بالإنابة، ولعل هذا الأمر هو الانتقال الأخطر في المشهد السياسي، على إن يفهم إن الخطورة ملحقة لا أصيلة في ذات الشيء، ففي كثير من البلدان تستخدم ذات الأدوات التحشيدية لكن مع فارق الوعي وقبضة قانون الدولة.
هذا التعارض الوقتي قد يفرض عدة سيناريوهات على مستوى المشهد وقد يمتد التأثير إلى المستوى الخارجي، لا كتعبير عن قوة الدولة بقدر ما يتعلق بكوننا فواعل ملحقة ضمن المعادلة، فعلى المستوى الداخلي من شأن ذلك إن يؤدي إلى إطالة أمد هذه الحالة إلى أبعد مما هو متوقع، مما يعني أن أي حل آخر يأتي بعد ذلك محكوم بالضعف المسبق، كأن تكون حكومة أو حتى مدة بقاء!, ترسيخ فكرة اللجوء إلى الشارع كبديهية حزبية، وهذا ما يلاحظ إنه استخدم وبكثرة، من قبل جميع الأطراف في الفترة السابقة والحالية، لذلك قد نشهد عمر جديد للحكومة الحالية, سوى مع بقاء حالة تصريف الأعمال أو غيرها.
في المقابل فأن من شأن ما ذكرناه فيما يتعلق بالمعطيات الدولية، إن ينهي حالة الانغلاق هذه، ويساهم في تهدئة الوضع على المستوى الداخلي، ولو لهذه الفترة.