صالح البيضاني يكتب:
قلعة حوثية حصينة على فوهة بركان!
إذا قاربنا مستقبل المشروع الحوثي في اليمن وحالة الانهماك الحوثية في بناء دولة ذات نمط عقائدي وخلفية سلالية، تحت ظلال غيمة داكنة مشبعة بالعنف والصراعات ومآلات الحرب، فلن نجد تشبيها أبلغ من كون هذا المشروع الذي يبدو للوهلة الأولى في أوج عنفوانه، كقلعة حصينة يجري تشييدها على فوهة بركان.
والحديث عن عدم قابلية المشروع الحوثي للديمومة، ليس من قبيل المكايدة السياسية أو الدعاية الإعلامية التي قد يسوقها خصوم الحوثيين جزافا، للنيل من هذه الفكرة الطارئة والتي لها جذور غائرة في التاريخ اليمني القديم والمعاصر في نفس الوقت.
وبينما يحاول الحوثيون الظهور كنموذج إسلامي ثوري فريد، بهدف التمايز عن الدول الإمامة التي عرفها اليمن خلال الألف عام الماضية، يبدو جليا أن بعض عوامل صمود واستمرار وتعاقب تلك الدول التي أسسها أسلاف الحوثيين في اليمن وقامت على أسس طائفية وسلالية شبيهة، لا تتوفر لدى الحوثيين الذين يمضون قدما في استفزاز اليمنيين بما في ذلك الجزء الذي يعتقدون أنه حاضنتهم التاريخية في أقصى شمال اليمن.
فكرة "الأقيال" التي تتبنى مطالب القومية اليمنية تمثل حالة متقدمة في مساعي تكوين إطار ثقافي واجتماعي قادر على مواجهة الفكر الأيديولوجي الحوثي
وقد تعالت مؤخرا الأصوات الناقدة والمحذرة من داخل مناطق سيطرة الحوثيين أنفسهم، بل من داخل دائرة المصالح السياسية والعرقية للجماعة الحوثية، وتصاعدت تلك الانتقادات على وقع الأنين الذي تسببت به الممارسات القمعية وسياسة التجويع والإذلال الممنهجة التي تتبعها الجماعة وأصبحت في أحيان كثيرة تثير مخاوف بعض العقلاء المحسوبين على الحوثي، تحسبا لمرحلة ما بعد انفجار البركان وخوفا من ردود الأفعال الكامنة في العقول والقلوب!
وقد اختزل أحد السياسيين المقربين من الجماعة في موقف ناقد وجريء للممارسات الحوثية في مناطق سيطرتهم، حالة الإذلال التي تتعرض لها الشخصية اليمنية، بالتعليق على ما رافق ما يسميه الحوثيون “عيد الولاية”، وحشد عشرات الآلاف من الجياع اليمنيين في الساحات العامة للإنصات لمحاضرات ودروس تحاول إقناعهم بأن الله خلقهم فقط كأتباع مطيعين لسلالة بعينها اختصها الله بالحكم والسلطة والمال دون غيرها!
وعلى الرغم من حالة الترهيب التي كرسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم وأخرسوا بها الألسن التي تنتقد ممارساتهم ونهجهم العنصري والسلالي، إلا أن اليمنيين لم يعدموا الطرق التي عبروا خلالها عن رفضهم لهذه الجماعة ونهجها الأيديولوجي المتطرف، حيث باتت الكثير من الأسر اليمنية، على سبيل المثال، تبدأ مناسباتها الاجتماعية بالنشيد الوطني الجمهوري في تعبير ناعم عن رفض الميليشيات الحوثية وهذا فقط رأس جبل جليد تتضح معالمه أكثر، في ظل تنامي حالة الرفض الشعبي على الصعيدين الاجتماعي والثقافي لفكرة التفوق العرقي التي تستند إليها مرجعيات الجماعة الحوثية وتطبقها بشكل سافر، عبر نهج سياسي لتمكين “السلالة” من كافة مفاصل الدولة المدنية والعسكرية في بلد يتباهى أبناؤه بأنهم موئل القحطانيين وأصل العرب!
وقد ساهم التطرف الحوثي في النيل من شخصية اليمني واعتداده بنفسه ونسبه في إحياء ما بات يعرف بالقومية اليمنية وهي فكرة خطيرة يرى بعض المتفحصين لتاريخ الصراعات بأنها صالحة لتكون خلفية ثقافية مناسبة لمواجهة المشروع الحوثي، عبر إشعال جذوة المقاومة والفدائية التي تفتقر إليها كل المشاريع المناهضة للحوثيين اليوم.
تعالت مؤخرا الأصوات الناقدة والمحذرة من داخل مناطق سيطرة الحوثيين أنفسهم، بل من داخل دائرة المصالح السياسية والعرقية للجماعة الحوثية
وتمثل فكرة “الأقيال” التي تتبنى مطالب القومية اليمنية حالة متقدمة في مساعي تكوين إطار ثقافي واجتماعي قادر على مواجهة الفكر الأيديولوجي الحوثي المتكئ على نظرية الأفضلية العرقية التي تستفز كثيرا من اليمنيين وتدفعهم لإحياء واستلام تاريخهم القديم، بما في ذلك الصراعات والحروب التي لم تتوقف منذ أكثر من ألف عام بين اليمنيين ودول الإمامة الزيدية.
ويمكن وصف حالة الوقاحة الحوثية منقطعة النظير والمدفوعة بعقدة الاستعلاء وعدم القراءة الفاحصة للمآلات في التعامل مع اليمنيين وثقافتهم وتاريخهم، بأنها نوع متطور من التطرف الأيديولوجي الحوثي المبكر الذي كشف عن أجزاء من وجه الجماعة الأكثر بشاعة التي أوغلت في إذلال وقمع غالبية اليمنيين في عقر دارهم وحولتهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة وجعلتهم في منزلة أقل في وطنهم، وهي ممارسات لم تجرؤ حتى الدول الإمامية المتعاقبة في شمال اليمن على أن تجاهر بها وتمارسها بذات الطريقة التي يفعلها الحوثيون اليوم.
وتأتي الثقة الحوثية من وجهة نظري في إظهار هذا الوجه البشع والكالح، انطلاقا مما تعتبره الجماعة حالة من التمكين السياسي والعسكري الذي وصلت إليه، بالتوازي مع رهان على غسل أدمغة اليمنيين وإدخالهم في أفران للتعبئة العقائدية التي تجعلهم أكثر تقبلا لمبادئ الفصل العنصري التي ينتهجها الحوثيون اليوم في اليمن، وهو رهان خاطئ وينطلق من قراءة مجتزأة للتاريخ باعتقادي، فما فشل في صنعه ألف عام من تعاقب الدويلات الإمامية في شمال اليمن، لن يفلح فيه الحوثيون في سبع سنوات، وفي زمن الإعلام المفتوح ومواقع التواصل الاجتماعي!