علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):

من هو العدني؟ (الجزء الاول)

عدن

المقدمة: بادئ ذي بدء أهدي موضوعي هذا لمسقط رأسي عدن، و لأبناء عدن الصادقين الطيبين، و لساكنيها من ابناء الجنوب العربي.

 عدن عاصمة الجنوب، هي التي يجتهد ابنائها في بنائها و تشييدها و اصلاحها من عبث العابثين، مرت عدن بالكثير ممن سكنوها و أحبوها و عشقوها، 
- منهم من كان عشقه لها عشق وطن صادق لله،
 - منهم من كان عشقه لها عشق مصلحة و فيد،
 - منهم من كان عشقه لها عشق استغلال و انتهازية،
 و كما قال الشُعّار "و كل يدّعي وصلاً بليلى // و ليلى لا تقر لهم بذاكا".

و نحمد الله ان ابائنا ابناء عدن العرب الاشاوس حموها من التغريب، و حموها من المهاجرين الذين كانوا ينوون تغيير هويتها العربية الأصيلة. 

ما أراه من سنين قريبة تغيُّر في الهاجس الوطني في الجنوب العربي، فهناك من يضيف الى آخر اسمه أسم قبيلته، او مدينته، او حتى حيّه الصغير، المهم ارتباط بشيء حتى لا يضيع ارتباطه بعدن الجنوب، فترى فلان اليافعي و فلان الضالعي و الحضرمي و العدني و اللحجي و الشيخي و الأبيني، و الشبواني، و قس على هذا، فكأني والله ارى الناس تفترق في تعريف اتجاهها تجاه الوطن، و نسوا انما المؤمنون أخوة.

و أن  تكنْ ابن مـَنْ شئتَ و اكتسـبْ أدبـاً // يُغنيكَ محمودُهُ عن النسبِ .

عزيزي القارئ الكريم .. 

أحب ان انوه للمواطن الجنوبي بشكل عام، و لابن عدن بشكل خاص عن أهمية و جدية هذا الموضوع، لأنني توصلت لقناعة ان لبعض الناس أجندات غريبة يوظفوها في بلادنا بإستغلال عواطف بعض الناس، و خاصة ابناء عدن الطيبين، و تصوير الواقع لهم بغرابة لا يقبلها حاذق، فهؤلاء النمّامون عملهم اضر من عمل الشيطان، فإنَّ عمل الشيطان بالوسوسة، و عمل النَّمام بالمواجهة.

لقد قررت ان اكتب عن هذا الموضوع، لأن هناك من لهم اجندات خاصة يعملون على تنفيذ اهدافهم بهدوء، و بازعاج  في احيان اخرى، و يستغلون الألم و المعاناة التي وقع فيها ابناء عدن من جرّاء القهر التي مارسته الجبهة القومية و الحزب الاشتراكي على ابناء عدن من تنكيل و تشريد و قهر. 

ان هؤلاء اصحاب الاجندات الخاصة الذين يتباكون على عدن و يصورون المعاناة بتزويرهم للحقائق و البيانات، و بصراخهم فيما يكتبونه من كتب و مواضيع بأزعاج شديد لشد انتباه الجماهير المطحونة، و التي تبحث عن متنفس للألم الذي في جوفهم، و هؤلاء بما يكتبونه مثل عربات القطار الفارغة تحدث جلبةً شديدة و مزعجة. 

سأتحدث في هذا الموضوع عن اصحاب الاجندات الخاصة الذين يدّعون بأنهم تهمهم مصلحة عدن. 

سأتحدث في هذا الموضوع عن اصحاب الاجندات الخاصة الذين يُمجّدون الاستعمار بطريقة بشعة، و يوسوسون لابناء عدن بأجنداتهم. 

 سأتحدث في هذا الموضوع عن اصحاب الاجندات الخاصة التي يُمجّدون القوانين الاستعمارية التي تخدم اهدافهم و أجنداتهم. 

 سأتحدث في هذا الموضوع عن اصحاب الاجندات الخاصة الذين يرفعون شعار "سجلات المجلس التشريعي لعام 1958" هي الاساس لتحديد كرامة عدن و اهل عدن و ناس عدن. 

 سأتحدث في هذا الموضوع عن اصحاب الاجندات الخاصة الذين يحاربون ابناء عدن الأشاوس الذين حموا عدن ايام الاستعمار البريطاني و فضحوا اصحاب الاجندات قبل ان يأتوا، سبحان الله و  كأن رجال عدن يعرفون بأن اصحاب الاجندات الخاصة قادمون لأغواء اهلنا  في عدن.

 سأبين في موضوعي هذا كيف هبّ شعبنا ضد مكائد بريطانيا بتسليمها عدن للهنود ليستولوا عليها و يصبحون هم اصحاب الارض، و اهل الارض الحقيقيين يصبحون من الدرجة الثانية و الثالثة او اللا درجة.

سأبين في هذا الموضوع كيف فضح اهل عدن تعاون بريطانيا مع الهنود، و ذلك بأحضار الالاف من الهنود للأستيطان في عدن، و منحهم الجنسية العدنية حال وصولهم الى الموانئ. 

 سأبين في هذا الموضوع من هو "العدني الأصيل".

سأعمل على ايضاح بعض المراحل الذي مر بها جنوبنا منذ ما قبل الاستعمار البريطاني "بأختصار"، و قد يفيد هذا الايضاح التوضيح الأكثر لأهل الجنوب و عاصمته عدن.

غزو بريطاني آثم لعدن، و حكم هندي 97 سنة

كثير من ابناء الجنوب، و خاصة ابناء العاصمة عدن لا يعرفون قصة احتلال عدن،  ففي العام 1600 م تم انشاء شركة الهند الشرقية من قبل بريطانيا لتكون لها ذراع استعمارية، و منذ ذلك التاريخ و بريطانيا تخطط لاحتلال عدن و المحميات التابعة لها. 

و كما قال سمو الشيخ الدكتور سلطان محمد القاسمي في كتابه "الاحتلال البريطاني لعدن" : 

".... فالقصة اذن واحدة من قصص الغدر السياسي، و الاتفاقيات المشكوك فيها، و الاتهامات الزائفة، و القهر، و التهديد و المقاومة، انها قصة دبلوماسية مريبة نفذت من خلال فوهة بندقية".

و هكذا تم احتلال عدن بعد مقاومة شعبية شرسة من أهل عدن، و بعدها بعث الكابتن هينس قائد الحملة الإنجليزية على عدن في التاسع عشر من يناير سنة 1839ميلادية رسالة إلى أعظم ملوك إنجلترا الملكة فيكتوريا الثانية حينئذ بعد أنّ وقعت المدينة في قبضته بأيام قليلة ، قائلاً لها : “ لقد تمكنا من أخذ عدن عنوة و التي تمثل جوهرة فريدة في تاج إنجلترا “. 

و هذه الرسالة تعني أنّ عدن الواقعة في البحر العربي والمتحكمة في مدخل جنوب البحر الأحمر والواقعة على الطريق البحري التجاري بين الهند وإنجلترا مثلت لبريطانيا أهمية كبيرة , و اصبحت عدن بعد فترة ليست طويلة بالنسبة لبريطانيا تمثل استراتيجية عسكرية فهي نقطة مراقبة، و تجمع، و انطلاق، و أكثر من ذلك ان عدن بوابة لكل البحار في العالم، و لم يمض وقت طويل حتى باتت عدن ذات موقع تجاري نظراً لمينائها الذي يمثل همزة الوصل بين الشرق و الغرب. و هذا ما دفع بالحكومة الإنجليزية سنة 1853 أنّ تجعل عدن ميناءاً حراً. و ما زاد من أهميتها أفتتاح قناة السويس سنة 1869م . 

و الذي يجهله الكثير من ابناء الجنوب هو انه منذ الاحتلال البريطاني لعدن سنة 1839 و لمدة 97 عاما اي حتى 1936م كانت عدن ترزح تحت حكم الحكومة الهندية في بومباي، و بناء على ذلك تدفق أغنياء الهنود من كل حدب و صوب من الهند الى عدن، و أصبح للجالية الهندية في عدن نفوذا اقتصاديا و ماليا قويا جدا، و سيطرت هذه الجالية الهندية على كل مناحي الحياة في عدن، و عملت على طمس الهوية العدنية الاجتماعية، و ذلك بأحضار مجاميع كثيرة من الهنود للعيش في عدن و الاستيطان، فأجبرت اهل البلد بأسلوب استعماري جديد على اتباع التقاليد الهندية الاجتماعية من حيث الملبس او الأكل و الموسيقى و في كل مناحي الحياة اليومية.

و قد قال عالم الاجتماع الفرنسي "آرثر دي غوبينو" عندما زار عدن في العام 1855م : “في عدن شاهدنا مدينة هندية فوق أراض عربية وسط الصخور “، و ايضا قالت الباحثة شفيقة عبدالله عراسي: " و قد كان للنفوذ البريطاني ـــ الهندي تأثيراً في طمس هوية عدن العربية، إذ طغت على المدينة الثقافة الهندية، فكانت المنشورات و الإنذارات الحكومية تكتب بالإنجليزية و تترجم إلى العربية التي يغلب عليها النحو و الصيغة الهندية، و كانت ألاغاني العربية تغنى بموسيقى هندية، و الملابس تلبس بالطريقة الهندية، و كان انطباع أي زائر إلى عدن خلال فترة ما بعد الاحتلال حتى هذه الفترة إنها مدينة أجنبية يغلب عليها الطابع الهندي في بلد عربي." 
(( 14 أكتوبر العدد رقم : (13985))

و يذكر الأديب الكبير الأستاذ حسين سالم باصديق كيف تغلغلت الثقافة الهندية في أعماق أوصال مجتمع عدن و المتمثلة بالمسرح و الموسيقى و غيرهما،  و كانت السلطات البريطانية تشجع هجرة الجاليات الأجنبية و على رأسهم الجالية الهندية بسبب تغريب عدن و طمس هويتها العربية و بذلك تقضي على كل محاولة لإثارة الشغب في المستعمرة. و في هذا الصدد يقول باصديق : “ و جاءت أول فرقة عام 1903م من الهند و تلتها أخرى أقامت حفلات في المعسكرات للترفيه عن الجنود و الضباط المدنيين الإنكليز و شملت تلك الفرق المسرح و الموسيقى و الرقص و الأكروبات و استمرت عملية استجلاب تلك الفرق كل عام، فقد استفاد منها بعض أفراد الجالية الهندية التي فتحت أمامهم الأبواب لدخول البلاد كموظفين لدى السلطة الإنكليزية الحاكمة و كرعايا في المجتمع الجديد “ . 

و الذي يهمنا في هذا الموضوع هو إنّ الجالية الهندية كانت تحظى باهتمام ورعاية و عطف السلطات البريطانية نظراً لثقتهم المطلقة فيهم منذ الاحتلال لعدن سنة 1839م. و يقول الفنان خالد صوفي أنّ الجالية الهندية كانت أكبر الجاليات الأجنبية في عدن من ناحية، و كان لها نفوذها الاقتصادي الواسع و النشاط التجاري الكبير في المدينة من ناحية أخرى و كان من نتائج ذلك أن صارت عدن هندية أكثر منها عربية، و يضيف: “ في عام 1849م، انخفض عدد السكان العرب إلى أقل من النصف بينما زاد الهنود أكثر من ضعفين، و أصبحوا يكوّنون %40 من سكان المدينة.

 ((14 أكتوبرالعدد رقم : (14318) ))