محمد خلفان يكتب:
احتضار النظام العالمي
لو تابعت ما يُكتب أو يُطرح من التحليلات في كافة وسائل الإعلام وحتى من مراكز الدراسات العالمية فإنك ستخرج بنتيجتين اثنتين في أغلب الظن هما: النتيجة الأولى، أن هناك شعورا عالميا يتملك الجميع بمن فيهم السياسيون المخضرمون في العالم بعدم الثقة في النظام الدولي الحالي وفي قدرته في أن يلعب دور القائد العالمي أو حتى أن يكون مقنعاً بأنه يستطيع أن يقود هذا النظام مرة ثانية في المدى المنظور وأقصد هنا الولايات المتحدة.
النتيجة الثانية، أن الرأي العام العالمي بات قلقا من المستقبل فيما يخص كيف سيكون شكل النظام العالمي القادم، هل هو ثنائي القطبية أم متعدد الأقطاب. انطلاقاً من أن نظام القطب الواحد لم يعد موجوداً منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير الماضي، وأن الشكل العام للنظام لعالمي هو الاتجاه نحو العودة إلى القطبية الثنائية لأن المشاهد الاستراتيجية على الأرض توحي بأننا نسير في طريق قوتين عالميتين حتى مع وجود الصين الدولة الكبرى الأخرى ولكن ليست بتلك الرغبة الموجودة لدى روسيا.
النتيجتان لم تأتيا من فراغ. فالولايات المتحدة ومنذ عام 2010 حتى اليوم، أي أكثر من عقد ولاسيما في عهد الديمقراطيين، فقدت السيطرة على الملفات الأساسية التي تجعل من يمسك بها يقود العالم وخاصة الأمن العالمي بمفهومه الشامل مثل؛ أمن الممرات البحرية، الحد من تهديدات استقرار العالم استراتيجيا، أمن الطاقة، فقدان السيطرة على انتشار الأسلحة النووية والمسيرات هذه السمة التي سيطرت على التوجه الأميركي خلال تلك الفترة. ولم يحتج منافسو أميركا عالمياً وقتاً طويلاً من إدراكهم لهذا الوضع المتسيب حتى عملوا على انفلات الأمور من السيطرة الأميركية وبدأت دول أخرى في الظهور على الساحة العالمية والتخريب ضد مصالح الأميركية.
لم تفلح جولات الرئيس جو بايدن الخارجية إلى أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط سواء في إعادة الأمور إلى نصابها السياسي الذي كان، أو وقف الاختراقات الروسية لمناطق نفوذ الولايات المتحدة، حيث زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران منذ أيام لحضور “قمة ثلاثية” بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما قام، وزير خارجيتها سيرغي لافروف بجولة أفريقية، وإنما أيضاً من أجل التأكيد على قرب احتضار النظام العالمي الحالي الذي بدأ الجميع يتحدث عنه.
ومع أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حاول إعادة ثقة العالم في الدور الأميركي العالمي بعدما تسبب باراك أوباما ولمدة ثمانية سنوات في اهتزازها ولكن لم تمهله فترته الرئاسية الفرصة لذلك، فرجعت إدارة الرئيس بايدن وريثة إدارة أوباما لتعيد فقدان العالم الأمل في عودة الدور الأميركي، وبدأ الحديث عن تهوين الدور الأميركي، وهذا ليس له دليل سوى أن أميركا فقدت رؤيتها للعالم. وبات العالم ينتظر الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم والتي ربما تعطي مؤشرات إيجابية لإنعاش حالة النظام العالمي بقيادة أميركا، فالكثيرون ما يزالون مقتنعين أن الفرق بين الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم أنها إن أرادت فعل شيء في العالم فعلت.
صحيح أن زيارة بايدن للمنطقة ولقاءه مع قادة منطقة (6 + 3) دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى العراق ومصر والأردن أثارت قدراً من الارتياح النفسي في العلاقات الخليجية – الأميركية إلا أنها لم تنه المخاوف حول الرغبة الأميركية الحقيقية في عودة تمركزها في المنطقة والعالم.