محمد خلفان يكتب:
«النبض السيبراني».. كلنا مسؤول
يقول الاستراتيجيون: إن التميز الحقيقي في أي عمل وطني يهدف إلى تحقيق نجاح كبير، يكمن في إشراك أفراد المجتمع بأكمله فيه. وهذا معناه أن هناك دوراً رئيسياً لمؤسسات الدولة كونها المسؤول الأول عن هذا العمل. ولكن المطلوب من أفراد المجتمع الوعي بقراراتهم على الأقل كي يحافظوا على أنفسهم وممتلكاتهم، لأنهم جزء من منظومة وطنية شاملة في إنجاح المشروع، وعليهم ألا يكونوا سبباً في التشويش على مؤسسات الدولة كنتيجة لحماس أو سوء تقدير، لأن النتيجة في أغلب الأحيان تكون كارثية.
مبادرة «النبض السيبراني» التي أطلقها مجلس الأمن السيبراني في الدولة هدفها توعية أفراد المجتمع الإماراتي من مخاطر الجرائم الإلكترونية الناتجة عن استخدامات الأجهزة الإلكترونية، سواء كانت تلك الاستخدامات لأهداف العمل أو للتسلية. فمخاطرها تتعدى البعد المادي لها لتصل في أحيان كثيرة إلى بعد نفسي قد يؤثر على حياة الفرد نفسه، أو أن يتم توظيفه لجرائم أكبر ضد الدولة. والجميل في المبادرة أنها لا تركز على شريحة مجتمعية معينة، أو أنها موجهة لمجموعة معينة، وإنما تحمل شعار «الجميع مسؤول» لأننا نحمل في أيدينا أجهزة طبيعتها الاستخدام الآمن والعادي، ولكنها قد تتحول في لحظة إلى أداة جريمة إلكترونية.
الجرائم الإلكترونية اليوم، هي واحد من أخطر التحديات التي تواجه الحكومات في العالم. صارت هذه الجرائم لها مداخلها التي تتعدى الطرق التقليدية نتيجة لزيادة استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجالات الحياة اليومية للإنسان. وبالتالي يكون إشراك الفرد المجتمعي (المواطن أو المقيم) أمراً فيه قدر كبير من الأهمية والإدراك بأن الجميع شركاء في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمعات من منطلقين اثنين مهمين. المنطلق الأول: تزايد استخدام التكنولوجيا الرقمية حتى باتت تسمية (الإنسان الرقمي) مصطلحاً دارجاً، وفي هذا الجانب تحتل الإمارات مرتبة متقدمة بين دول العالم في استخدام التكنولوجيا وتوظيف التقنية الرقمية في المعاملات اليومية، وتكافح بقوة، كافة أدوات الإجرام الإلكتروني.
المنطلق الثاني: يتعلق بأن أمن المجتمع شامل، فإذا كان المستهدف الأساسي من الهجمات السيبرانية هو اقتصادات الدولة، وهو الأشهر في هذه الهجمات العالمية (طبعاً مع الاعتراف بوجود أنواع كثيرة من الهجمات لإحداث شلل في العمل الحكومي بين الدول) إلا أن هناك «حيلاً» كثيرة تبدأ من خلال اختراق أفراد المجتمع، سواء من خلال المسجات أو الاستعطاف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في جمع تبرعات مالية إنسانية.
الإمارات من بين خمس دول الأولى في العالم من حيث النجاح في صد الهجمات السيبرانية وهي تعمل بشكل متزايد ومتسارع لتوفير بيئة أكثر أمناً للتعاملات الإلكترونية، ولا شك أنها أصبحت اليوم وفق مؤشرات البرنامج العالمي للأمن السيبراني، مثالاً على مكافحة هذه الجريمة التي تنمو بشكل كبير. ومسؤولية الحفاظ على المكتسبات التنموية مهمة كل إماراتي في كل موقع يتواجد فيه كما أنها مهمة وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية وكل المؤسسات التي لها تأثير في المجتمع وتوجيه الرأي العام وزرع القيم الوطنية الإيجابية والمساهمة في الحفاظ على ما يزخر به تراثنا الإماراتي من قيم الانتماء لهذه الدولة التي رسختها قيادتها الحكيمة منذ أيام المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
لعل هذه هي خلاصة فحوى المحاضرة التي ألقيت في مركز تريندز للبحوث والاستشارات قبل يومين، والتي شخص فيها رئيس مجلس الأمن السيبراني في دولة الإمارات الدكتور محمد الكويتي بشكل دقيق التحديات التي تواجهها المجتمعات في العالم، فالأمن هو العنصر الرئيسي لتحقيق التنمية الشاملة، لذلك فإن الدول الأكثر استقراراً هي التي تحقق مؤشرات تنموية كبيرة في العالم.