علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):

من هو العدني؟.. يوم الإستقلال 30 نوفمبر 1967 (الجزء الثاني)

أبوظبي

كما نوهت في مقدمة هذا الموضوع بأنني سأتطرق على مراحل مختلفة مرت بها عدن، و المواطن الجنوبي حيث عانى و يعاني شعبنا في الجنوب و خاصة في العاصمة "عدن" حالةً من الاضطراب و التوتر، و الى حد كبير الانكسار و ذلك منذ الثلاثين من نوفمبر 1967، "يوم جلاء الاستعمار البريطاني"، و ذلك من جرَّاء التباعد في المواقف بين الشعب المغلوب على أمره و الحكام الجدد من رجال الجبهة القومية و من بعدهم الحزب الاشتراكي و نظامهما الفاشل.

كان ابناء الجنوب و خاصة ابناء العاصمة عدن يطمحون ان يلعبوا دورا مهما في المشاركة في نمو بلادهم و تنميتها و ازدهارها، و كانوا يحلمون  بالتنمية البشرية بعد نيلهم للإستقلال، و كانوا يُمنّون النفس باحترام ارادتهم، و تعظيم دورهم في المشاركة و في تحمُّل المسئوليات و خاصة السياسية منها، و ذلك بحكم خبرتهم و حنكتهم الادارية أبان الحكم البريطاني،  و لكنهم صُدموا بالتهميش و الالغاء لدورهم و ايضا الضغط عليهم، بل و مواجهتهم أحيانًا بسنِّ القوانين التي تعوق مسيرتَهم و تحرمهم من حقوقِهم الشرعية، بل و الإنسانية العامة. 

عملت الجبهة القومية و من بعدها الحزب الاشتراكي على منع الشعب من اداء واجبه تجاه و طنه. 

الغاء الوعي الجنوبي

عاش الجنوبيون منذ بدايات تشكيل دولتهم بعد الاستقلال في وعي محدد و موجّه، لا يساعد على الابداع، بل محبوس خلف شعارات الولاء و الانتماء و الطاعة العمياء، و اشتغلت آلة الجبهة القومية و الحزب الاشتراكي من بعده على هذا المنهج،

 و بدأ ابناء الجنوب و خاصة ابناء العاصمة عدن و بالذات جيل الستينات و السبعينات و الثمانينات و حتى جيل الوحدة المشؤومة يشعرون بأن التاريخ يضيع من بين ايديهم بفعل فاعل، لهذا رأى المواطن الجنوبي السعيد بأستقلاله من الاستعمار البريطاني انه وقع في براثن حكام جدد هم من جلدتهم، يشبهونهم في الشكل و اللون و يتحدثون مثلهم و يتميزون عن ابناء الشعب الطيب المسالم السعيد بأنهم قتلة أوغاد، و أنهم أظلم من الذئاب، يضربون الشعب للهلاك و الموت، و كأنهم جياع لذلك لا يشبعون، و بدأت هذه الاجهزة القاتلة على تشكيل كيان حزبي أخذ شكل الدولة منذ البدايات، و أخذ مع هذا التشكيل تعبئة فراغات الوعي الوطني بقيم الولاء للنظام الذي استقام على رغبته بالحكم و الانتماء للوطن الذي شكل حلم ساكني هذا المكان.

و بعد ان نجحت الجبهة القومية في اذلال ابناء العاصمة و تطفيشهم حيث غادر أكثرهم محبوبتهم عدن الى كل الدنيا، و كان عِلْمهم و ثقافتهم و اخلاقهم العالية سلاحا لهم ليذهبون الى أي بقعة في الدنيا، و خاصة للدول الخليجية المجاورة التي بدأت تتشكل حينها.

بدأ الحزب الاشتراكي تكملة المشروع اللعين بعد ان تخلصوا من خيرة ابناء الوطن.

"لا صوت يعلو فوق صوت الحزب"؛ صرخة اعلنها الحزب الاشتراكي في الجنوب، معلنين بهذه الصرخة بناء وعي وطني قائم على مبدأ الولاء قبل الهوية، و الانتماء قبل المواطنة، و بدأوا بإعلان الشعب كله جيش للحزب الاشتراكي، و الى الآن لست واعيا لما قام به الحزب الاشتراكي هل كان توجيه لوعي الشعب ام الغاء لوعي الشعب، و الحقيقة انهم سجنوا وعي الشعب في خزانات الحزب الاشتراكي.

منذ 30 نوفمبر 1967 و حتى اليوم اصبح الجنوب مرتبط بأنظمة حاكمة و ليس بوطن، و اصبحت صراعات الرفاق و اقتتالهم الدائم تقهر المواطن دون ان يدري لماذ عليه ان يدفع فاتورة اقتتالهم و خلافاتهم، و جعلته مكسورا، قهرته، أذلته، اصبح هذا المواطن غير مبالي بما يحدث في الوطن، لم يحس بأن هذا النظام يحثه على ان يصبح مواطنا صالحا او منتجا او فاعلا، نتجت عن هذه المعاناة حالة متراكمة عبر الانظمة و الصراعات المختلفة للحزب الاشتراكي و هي غياب الشعور بالمواطنة، و اصبح المواطن الجنوبي او الرعايا الجنوبيون يطوون جرحهم يوم بعد يوم و جرح بعد جرح، و تتحشرج اصواتهم في جوفهم و يخرسونها و لا يملكون الا ان يصيحون "لا صوت يعلو فوق صوت الحزب".

و هكذا اصبح كل بيت في عدن يئن من الألم، و في كل منزل شهيد، و في كل حارة دعوة قاسية ضد الحزب الاشتراكي و قادته، و هكذا اصبح ابناء العاصمة يترحمون على ايام الاستعمار التي ذهبت، حيث كانت حياتهم هادئة رتيبة، و بعيد من القتل و الارهاب الحزبي.


عاد الفرع الى الأصل

و حذفت قيادة الحزب الاشتراكي بالمواطن الجنوبي الى وحدة قهرية لم يُسأل عنها الشعب، و من ثم اقحموه في حرب عبثية مع مجرمي الشمال، و ضاع الوطن، ضاع الجنوب.

 و بدأت نغمة عاد الفرع الى الأصل، بدأ الاحتلال اليمني الشمالي الجديد بهذه الاسطوانة السمجة ان الفرع قد عاد الى الاصل، انها قمة في المغالطة الذي حاولوا ان يقنعوا العالم بها، و كيف لهذا العالم دائما ما يتعامل الا مع المنتصر، انها سخرية الأقدار!! بالله عليكم كيف يكون الفرع اكبر من الاصل؟  مساحة الجنوب العربي  338 الف كيلو متر مربع و الجمهوريه العربيه اليمنيه مساحته 195 الف كيلو متر مربع هكذا وجد ابناء الجنوب انفسهم محاطين بصرخات همجية شمالية قميئة من حولهم تصرخ أن الجنوب الفرع قد عاد إلى الشمال الأصل و بالرغم من هذا بقوا كما هم مرهوبين من هذا الجنوب الشامخ الذي صمد ضد بائعيه من أنذال الحزب الاشتراكي، و أعلن ابناء الجنوب العربي بكل شموخ لسنا فرعا، و لا انتم اصلا و لا نريد هذه الوحدة التي لا تعني في مذهبكم الا الذل و السرقة و الفيد لأموال الجنوب، و تحرك الغضب الجنوبي من حراكه الى هبّاته يزلزل الأرض تحت اقدام الغزاة، و أول الغيث خلع الرئيس الضال.

يجهل كثيرا المحتل الشمالي حقيقة انهم ليسوا الأصل، و لم يكونوا في يوم من الايام الاصل، ان كان هذا هو التعريف الذي يعرفونه، فللجنوب العربي تاريخ عريق حيث كانت اقدم حضارات العالم موطنها الجنوب، و انطلقت منها الحضارة ناشرة اياها الى بلاد العراق و الشام و مصر و شمال افريقيا.

 و هذه الحضارات التي يسميها كتّاب التاريخ بالهجرات الانسانية القديمة، بل الذي يجهلوه هؤلاء المحتلون ان الممالك و الحضارات في الجنوب قامت قبل ظهور اليمن نفسها، فأي فرع عاد للأصل؟

 أن مصطلح جنوب الجزيرة العربية وجد قبل الإسلام و على فترات طويلة من الزمن للتدليل على الممالك و الدويلات التي قامت هناك مثل مملكة حضرموت و سبأ و حمير و أوسان و قتبان و ممالك أخرى. 

هذه فكرة بسيطة نوضحها لهؤلاء الانتهازين حيث ان اول الحضارات كانت في الجنوب وليس في الشمال و التاريخ لا يكذب، و عليهم ان يعوا تماما ان هناك جنوب الجزيرة العربية و هناك مملكة يمنية قامت في سنة 1918م و هما كيانان مختلفان، و ليس كما يدعي بعضهم انه هناك كيان واحد و لم يعرف أحد غيره و هو اليمن.

للعِلْم حضرموت عُرفت في جنوب الجزيره قبل اليمن من ايام عادٍ و ثمود، هم يعون ذلك و يدركونه و لكنهم "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم". 

صحوة الوعي الشعبي في الخمسينات
كل الوظائف بيد أجناس هندستان
خلونا أمشي وراء جايع شقي طفران
يتخاطفوا لقمتي دخلاء على الأوطان
****
فتحوا بابها فاتي ضيفها وسلب خيرها وابنها المحروم
حاير في الوطن
والأهيل كم لقى في صروف الشقى والغريب قد رقى وإنا المظلوم
في بلادي عدن
زاحمونا العمل احرمونا الأمل وإذا جاء الأجل ما نلاقيش كفن
*****
جونا غزاة الأمم من كل فج وصوب
وزاحمونا العمل حتى الرغيف والثوب
يتواردوا كل يوم أسراب مثل النوب
ولا حدا مننا يجسر يقول ( استوب )
يا شباب – حققوا الإضراب واقفلوا كل باب
في وجه الدخيل وعدو الوطن
أضربوا .. أضربوا .. تمنعوا الهجرة

***********
كلمات // عبدالله غالب عنتر
الحان // العميد محمد مرشد ناجي
غناء // محمد صالح عزاني

أغنية الهجرة
قدمت هذه الأغنية في عام 1958 م عندما دعا المؤتمر العمالي بعدن إلى إضراب عام ضد سياسة الهجرة الأجنبية وإعطاء المقيمين من أبناء الكومنولث حق التصويت والترشيح في الوقت الذي حرم فيه من هذا الحق من أسمتهم الإدارة الانكليزية باليمنيين وعرب المحميات وقد نجح الإضراب حينها نجاحا عظيما .
يقول تقرير من القبطان ( هينس ) الذي تم على يديه احتلال عدن , ان عدد سكان عدن وقت احتلاله لها كان 600 نفس منهم 180 يهوديا وبيت 30 و40 من الهندوس البانيان , والبقية عرب وصومال .
وأعتقد أن العرب كان عددهم أكبر مما قدره هينس وذلك لسببين ( أولا ) أن العرب الذين يفخرون بالذكور من أولادهم , لم يقدموا العدد الصحيح للإناث , أو أنهم لم يقدموا العدد الصحيح من الذكور والإناث خوفا من أن يؤخذوا رهائن ( ثانيا ) قبل الاحتلال بأيام , وفي الاحتلال غادر عدن عدد كبير من السكان إلى لحج والى القرى المجاورة .
وقد جرى إحصاء لسكان مستعمرة عدن في سنة 1955 م , فكان المجموع 138.441 نسمة
اليمنيون 48.088 نسمة
البريطانيون 3.765 نسمة
المدنيون العرب 26.910 نسمة
عرب الشرق الأوسط 2.608 نسمة
عرب المحميات18.881 نسمة
اليهود 831 نسمة
الصومال 10.611
الأوربيون 721 نسمة
الهنود المسلمون 10.435 نسمة
الهنود الفرس 596 نسمة
الهنود البانيان 4.785 نسمة
واليمنيون في عدن ينقسمون إلى فريقين ( الأول ) طبقة المشتغلين بالأعمال التجارية , وهؤلاء قد اندمجوا مع عرب عدن أو أنهم في طريق الاندماج ولو أنهم لم يقطعوا علاقاتهم باليمن . ( الثاني ) طبقة العمال وهؤلاء لم يندمجوا إلا قليلا مع عرب عدن . وأغلب العمال اليمنيين وعرب المحميات يأتون إلى .
عدن للبحث عن أعمال فيها ويتركون عائلاتهم في بلادهم , وأغلبهم وخصوصا اليمنيين يعيشون حياة بسيطة بالنسبة لعرب عدن , وبقية الأجناس , وكثيرون لا يسكنون في بيوت بل يستغلون جو عدن الناسب الذي لا تهبط حرارته إلى أقل من 70 درجة ( فارنهيت ) في الليل . فيفرشون سررهم على الأرصفة وفي الميادين وحتى في سفوح الجبال )).
مما تقدم توضح السياسة الانجليزية نفسها إزاء عدن ومستقبلها من خلال تصنيفه الغريب والمضلل للمواطنين اليمنيين , وهي سياسة ثابتة دأب على تكريسها بالقمع الإداري وإشاعة الأمية , والقبلية منذ احتلاله لعدن 1839 م وحتى عام 1955 م وما بعده , وقد ساعدت الظروف المحلية في القطر اليمني , والواقع العربي الميت على نجاح هذه السياسة على مدى أكثر من قرن , مما أدى الى خلق أوضاع شاذة في غاية الخطورة في عدن , وما يسمى بمحمياتها . وان تكريس الهجرة الأجنبية وشرعيتها التي أوضحها الإحصاء 1955م والتي هي موضوع حديثنا في حكاية( أغنية الهجرة ) كان هدفه مسح عروبة عدن , ليتأتى للانكليز في النهاية ضمن المخطط السياسي العام للمنطقة – اقتطاعها من أرضها وناسها ضمانا لمصالحهم الاقتصادية و الاستراتيجية .
ومن حديث جرى مع الصديق المؤرخ الكبير الفقيد سلطان ناجي في هذا الصدد , قدم لي الأخ سلطان شهادة عن نتيجة سياسة الاستيطان من الهنود وغيرهم في مستعمرة عدن كتبه احد حكام عدن الانكليز في اوائل الخمسينيات في كتاب له بعنوان ( ظلال الكهرمان ) .
وهذا الحاكم هو السيد كيندي ترافسكس عندما قال في ( ص 3-6 ) من الكتاب المذكور
(( إن الطابع السياسي كان أهم التأثيرات التي خلفت الهند على عدن وما يحيط بها , لقد كانت عدن مفترق طريق دولي تضم العرب والهنود والصومال والاوربيين وجنسيات أخرى .
وباستثناء أقلية من العرب تعتبر عدن موطنها , فان هذه الجموع من الناس الذين يتكلمون لغات مختلفة هم في الواقع مجاميع طفيلية . لقد كانوا مجرد زوار يأتون الى عدن لجمع الأموال ثم تحويلها إلى أوطانهم البعيدة وفي قلب هذا المجتمع العابر والغريب المختلط كان الهنود يحتلون مكانا خاصا , يمكن القول ان ( عدن ) كانت مستعمرة انجلو – هندية , من حيث إن الأيدي البريطانية والهندية كانت هي التي تسير العربة . ففي المكاتب الحكومية والتجارية كان نمط المشاركة الانجلو – هندي ذاته هو السائد , فبينما كان البريطانيون يشغلون المراكز التنفيذية العليا , كان الهنود يملأون المراكز التنفيذية الدنيا , والوظائف المكتبية الأخرى . أما العرب فعلى الرغم من أنهم كانوا السكان الوحيدين الذين لهم الحق في أن يعتبروا (عدن ) موطنا لهم إلا أنهم كانوا أقلية فيها ,فلأجيال مضت كانوا يقومون بالأعمال الحقيرة التي لم يكن يرغب الهنود القيام بها , أو بأعمال الترجمة , لقد بدأت أفهم كم هو مقسم بعمق وبشدة المجتمع في ( عدن ) وكيف بالكاد واحد من كل خمسة يعيشون هناك لديه أدنى اهتمام بمستقبلها , وكيف أن غلبة وهيمنة التأثير البريطاني الهندي قد فصلتا ( عدن ) عن الشرق الأوسط كل هذا الوقت الطويل ))

وفي هذا الوقت – أوائل الخمسينيات – ظهرت مقالات تحليلية للأستاذ رشيد على الحريري في صحيفة (النهضة )الواسعة الانتشار تعالج قضية الهجرة الأجنبية ومدى خطورتها في النواحي الاقتصادية والسياسية في الجنوب اليمني , وكان لهذه المقالات صدى واسع لدى الجماهير , حيث جاءت هذه المقالات النارية لتوافق التذمر العام والشكاوي المتكررة من قبل المواطنين في ( عدن ) المستعمرة من هيمنة وسيطرة الهندوكيين على الوظائف كبيرها وصغيرها , وكذا التعاون السافر فيما بينهم , وملء الوظائف من جنسهم وستر عيوب بعضهم .
وقد عالجت الصحافة الوطنية هذه الشكاوي في شكل خبر , أو مقالة, كما شنت الصحافة الوطنية هجومها على اعتراف الإدارة البريطانية بحق المهاجرين الأجانب من أبناء ( الكومنولث ) في التدخل في الشؤون السياسية من ذلك حقهم في التصويت والترشيح للمجلس التشريعي في الوقت الذي حرم فيه من هذا الحق المواطنون الأصليون من أبناء المنطقة ممن تسميهم الإدارة البريطانية ( باليمنيين وعرب المحميات ) وتطالب الإدارة البريطانية في تغيير هذا الواقع الأليم . ولم أعد أذكر من قال من الشعراء :
إن الأجانب سعداء يا ليت شعري ليتنا غرباء
يتحكمون بنا كما شاء الهوى فترى الغريب كأنه الزباء
هذا وقد بلغ السخط العام من النفوذ الهندوكي مداه فكانت المحاولة بإلقاء قنبلة شديدة الانفجار على منزل المحامي الهند ( جوشي ) الذي نصبه الانجليز وزيرا فأدت إلى نشوب حريق هائل في منزله ولكنه نجا من الموت بأعجوبة

ازداد الغضب الشعبي في عدن ازاء التصرف العنصري التي كانت تقوم به بريطانيا تجاه ابناء عدن، و توجه نيتها بالاتفاق مع الهنود المسيطرين على الاقتصاد في عدن لفصل عدن عن الجنوب و ضمها لدول الكومنولث كما هي هونج كونج و سنغافوره، و بناء على هذه الفكرة الشيطانية عملت بريطانيا على السماح للهنود بالهجرة الى عدن بأعداد مهولة من أجل تطبيق مشروعها، و بناء على ذلك منحت بريطانيا الهنود الذي يصلون الى عدن الجنسية العدنية، و أعطت المقيمين من أبناء الكومنولث حق التصويت و الترشيح للأنتخابات في الوقت الذي حُرم فيه من هذا الحق من أسمتهم الإدارة الانكليزية عرب المحميات.

و قد جرى إحصاء لسكان مستعمرة عدن في سنة 1955م , فكان المجموع 138.441 نسمة منهم  اليمنيون 48.088 نسمة،  البريطانيون 3.765 نسمة،  المدنيون العرب 26.910 نسمة،  عرب الشرق الأوسط 2.608 نسمة،  عرب المحميات18.881 نسمة،  اليهود 831 نسمة،  الصومال 10.611، الأوربيون 721 نسمة، الهنود المسلمون 10.435 نسمة،  الهنود الفرس 596 نسمة،  الهنود البانيان 4.785 نسمة.

و المقصود باليمنيين هم ابناء الشمال في عدن ، و قد كان ابناء الشمال يتميزون عن المجاميع الأخرى بوجود طبقة تعمل بالأعمال التجارية، و كانوا يعيشون مع اسرهم التي احضروها معهم من قراهم في الشمال كما كانوا يتمتعون بحس و انتماء للجنوب و لعدن خاصة و كانت لهم الرغبة الجامحة ليصبحوا من أهل عدن، و لكن بالرغم من هذا بقيت علاقتهم بالشمال و بأراضيهم في الشمال قائمة، اما الفريق الثاني فهم طبقة العمال و الحرفيين، و كانوا يعيشون في تجمعات و لا يندمجون مع عرب أهل عدن، و لم يحضروا عائلاتهم بعكس الفريق الأول، و عرب المحميات يأتون الى عدن للبحث عن العمل و تبقى اسرهم في قراهم. 

نرى مما تتقدم ما كانت بريطانيا تخطط له، و كيف كانت تتعامل مع المواطنين الجنوبيين بقمع اداري و تهميش لأهل الارض، كما عملت على تفشي الأمية و القبلية بين اهل البلد و ذلك منذ الاحتلال و حتى بدايات الخمسينات عندما استفاق اهل الجنوب للمهزلة التي تلعبها بريطانيا، و الذي ساعدها في تنفيذ سياستها الاوضاع المتردية في اليمن و الاوضاع العربية المتردية الأمر الذي جعلها تخلق اوضاعا شاذة في عدن و المحميات و تعمل على تكريس الهجرة الأجنبية و شرعنتها، و قد ظهر ذلك جليا في احصاء 1955م الذي اظهر لابناء عدن الحقيقة و هدف بريطانيا من مسح عروبة عدن ليتأتى للانكليز في النهاية ضمن المخطط السياسي العام للمنطقة – اقتطاعها من أرضها وناسها ضمانا لمصالحهم الاقتصادية و الاستراتيجية .

و من بين من صرخ في وجه الاستعمار البريطاني حينها رائد التنوير الاستاذ محمد علي لقمان في احدى افتتاحياته في فتاة الجزيرة في مطلع الخمسينات: 
"...... ماذا حصل العرب عليه خلال 110 سنوات منذ الاحتلال البريطاني لعدن؟ لم يُعط لهم حق الحكم في بلادهم و قد يبدو هذا الطلب سخيفا بعيد المنال، اذ كيف يطلب العربي حق الحكم و الادارة و عدن ما هي الا مستعمرة بسيطة، و ما العربي فيها سوى عامل فقير يكسب رزق يومه بالكد و العرق، الا ترين سيدتي الحكومة ان ضيوف عدن الفخريين و ان كانوا لا يهمهم من عدن سوى المكاسب و الارباح هم في نعمه سابغه و ثراء واسع و تجارة رابحه؟ انها لا توجد بلاد من بلدان العالم المتحضر يتنمر الاجنبي  فيها على الوطني الا عدن، عدن بلاد المتناقضات، بلاد الأجنبي فيها عزيز و المواطن فيها ذليل".

".....ملوك المال  في هذه البلاد اجانب غالبا، لأنه ليس من العدل ان لا يكون من ابناء هذه البلاد الاوفياء المخلصين ضابط اداري كبير و لا حاكم و لا رئيس، بينما البلاد تعج بمئات الضباط من ابناء الانجليز و ابناء الهند و الفرس و الجوانيز و غيرهم، و كلهم سعداء بالمقام العالي و الجاه و الثراء الواسع..." .

و حتى يعي ابناء الجنوب و خاصة ابناء عدن ان هذا الأمر كان سياسة استيطانية حقيقية، تحدث في هذا الأمر السير كنيدي تريفاسكس في شهادة أخرى توضح اتجاه الاستعمار البريطاني لدعم الهنود في سياسة الاستيطان في مستعمرة عدن، و هذا السير كنيدي تريفاسكس  كان مندوبا ساميا في عدن و الجنوب العربي و الف كتابا في بداية الخمسينات سماه في (في ظلال العنبر)، و قد ذكر هذا الحاكم ( ص 3-6 ) من الكتاب المذكور:

(( إن الطابع السياسي كان أهم التأثيرات التي خلفت الهند على عدن و ما يحيط بها، لقد كانت عدن مفترق طريق دولي تضم العرب و الهنود و الصومال و الاوربيين و جنسيات أخرى، و باستثناء أقلية من العرب تعتبر عدن موطنها، فان هذه الجموع من الناس الذين يتكلمون لغات مختلفة هم في الواقع مجاميع طفيلية، لقد كانوا مجرد زوار يأتون الى عدن لجمع الأموال ثم تحويلها إلى أوطانهم البعيدة و في قلب هذا المجتمع العابر و الغريب المختلط كان الهنود يحتلون مكانا خاصا، يمكن القول ان 
(عدن) كانت مستعمرة انجلو – هندية من حيث إن الأيدي البريطانية و الهندية كانت هي التي تسير العربة، ففي المكاتب الحكومية و التجارية كان نمط المشاركة الانجلو – هندي ذاته هو السائد , فبينما كان البريطانيون يشغلون المراكز التنفيذية العليا , كان الهنود يملأون المراكز التنفيذية الدنيا , و الوظائف المكتبية الأخرى، أما العرب فعلى الرغم من أنهم كانوا السكان الوحيدين الذين لهم الحق في أن يعتبروا (عدن) موطنا لهم إلا أنهم كانوا أقلية فيها, فلأجيال مضت كانوا يقومون بالأعمال الحقيرة التي لم يكن يرغب الهنود القيام بها, أو بأعمال الترجمة , لقد بدأت أفهم كم هو مقسم بعمق و بشدة المجتمع في (عدن) و كيف بالكاد واحد من كل خمسة يعيشون هناك لديه أدنى اهتمام بمستقبلها , و كيف أن غلبة و هيمنة التأثير البريطاني الهندي قد فصلتا (عدن) عن الشرق الأوسط كل هذا الوقت الطوي )).