د. علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):
لماذا تراجع دور الأمم المتحدة عن صون السلام العالمي؟
قرر المنتصرون في الحرب العالمية الثانية إنشاء منظمة للأمم المتحدة، ووضعوا لها ميثاقًا فيه أهداف سامية؛مثل منع أسباب تهديد السلم، وحتى إزالة تلك الأسباب، وكذلك تعمل على تسوية النزاعات بالطرق السلمية، واحترام حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وتقديم المساعدات الدولية لبعض الدول الفقيرة، وإغاثة الدول التي تتعرض لكوارث طبيعية أو من صنع الإنسان، وأمور أخرى بدت إيجابية حينها، واستمر هذا الميثاق قائمًا منذ إنشاء المنظمة في 24 أكتوبر 1945م، إلا أن المنظمة أخفقت في إحلال السلام في بلدان كثيرة بسبب عدم التوافق في أهداف الدول العظمى الخمس، واتفقت الدول العظمى الخمس بعد انتصارها في الحرب على توازن القوى بينهم، وهذا سبّب ازدواجية في التعامل مع القضايا الأخرى في العالم، وأصبحوا يختلفون حول ازدواجية التعامل مع أسلحة الدمار الشامل، وازدواجية فهم ماهية حقوق الإنسان، كذلك الازدواجية في التعامل مع لجان الأمم المتحدة.
تراجع دور الأمم المتحدة عن صون السلام العالمي:
دول العالم تعلم أن أهم أهداف الأمم المتحدة هو حماية شعوبها من خطر الحروب، وقد أوكلت هذه المهمة لمجلس الأمن الدولي، والذي يعتبر أهم جهاز في المنظمة، ويتكون مجلس الأمن من 10أعضاء منتخبين،و5أعضاء دائمين وهم (الصين، والولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والاتحاد الروسي)، ويجب أن تلتزم كل الدول الأعضاء بقرارات المجلس، ولكن فشل هذا المجلس في أداء المهام المكلف بها بسبب هيمنة الدول دائمة العضوية، الأمر الذي أدى إلى تعريض الأمن الدولي للانفلات.
بما أن مهمة مجلس الأمن هو حفظ السلام والأمن الدوليين، فهذا يعني أن للمجلس صلاحيات جبارة حتى يمكنه استخدام القوة، ولكن تدخل بعض الدول دائمة العضوية في المجلس تعرقل المجلس من تنفيذ بعض مهامه.
فشل مجلس الأمن في تنفيذ مهامه سببه تدخل أحد الأعضاء دائمي العضوية بمنع التنفيذ، وذلك باستخدام حق النقض (الفيتو)، ولهذا نرى أنه منذ 78 عامًا كان يجب على المنظمة أن تعدل من ميثاقها، ووضع آليات جديدة لدعم عمل مجلس الأمن مثل تركيبة المجلس، ودراسة سلبيات «الفيتو»، أو حتى إلغاؤه، ويصبح القرار النافذ في المجلس للأغلبية.
فباختصار إن سلبيات حق النقض «الفيتو»جعلت الدول دائمة العضوية تستخدمه للمناكفات السياسية بينهم.
وبإمكاننا القول إن القاعدة القانونية للفيتو لا تنسجم مع المبادئ الديموقراطية، وهناك الكثير من القرارات تطالب بها بعض الدول لا تُنفذ بسبب تعطيلها بالفيتو.
جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يعلمون أن الوضع الدولي اليوم يختلف عن الوضع الذي كان عليه قبل 78 عامًا عندما تأسست منظمة الأمم المتحدة، فلقد تغيرت أمور كثيرة سياسية واقتصادية وعسكرية؛ وعليه أصبح إلغاء حق النقض أو تعديله أمرًا ضروريًّا لمساعدة حل الكثير من القضايا الدولية.
كثيرون يرون أن إلغاء هذا القرار يعتبر من المستحيلات، وذلك لأنه سيتطلب التصويت عليه من جميع الأعضاء في الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، لأن الدول دائمة العضوية لا يمكن أن تضحي بمصالحها وتتنازل عن حقها في صنع القرار الدولي بما يحافظ على مصالحها، وأرى أنه لن يتم إي إجراء إلا إذا اتفقت الدول دائمة العضوية بإيجاد حل لهذا القرار.
ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة:
ترى جميع الدول أن منظمة الأمم المتحدة تحتاج لمراجعة شاملة، وإصلاح جميع كياناتها ومؤسساتها ووكالاتها، فيجب إصلاح ما يهم بنية النظام الدولي، وكذلك كل ما هو متعلق بالمهام المكلفة بها، وإصلاحات على المستويات المتمثلة بالهياكل وكذلك على المستوى المالي والإداري.
هذه المنظمة عمرها 78 عامًا، وكذلك عمر ميثاقها دون تغيير أو تعديل، بالرغم من وجود القصور البيِّن في الميثاق، وعدم تماشيه مع النظام الدولي الجديد، والفشل في الإصلاحات سببه تمسك الدول العظمى بمسألة إصلاح المنظمة وفقًا لرؤيتها واعتباراتها الشخصية.
لهذا نرى أن المنظمة منذ نشأتها وإقرار ميثاقها استطاعت تكييف نفسها مع التطورات الدولية، وإلى حَدٍّ ما حققت نجاحات نسبية في مجال التعاون الاقتصادي والاجتماعي، ولكنها لم تحقق إنجازات في مجال الأمن الجماعي، ورأيناها كيف وقفت عاجزة في بعض النزاعات، وهذا بسبب العيوب في الميثاق، الأمر الذي يستدعي إصلاحبعض نصوص الميثاق وتعديلها.
صياغة اقتصاد عالمي جديد:
كثيرون من أهل كوكب الأرض يتوقعون أن هناك حربًا عالمية ثالثة ستقع، وأنا أرىأنها وقعت من خلال التصريحات والسياسات الاقتصادية بين الرئيس فلاديمير بوتين وحلفائه من جانب، وجو بايدن وأوروبا من الجانب الآخر، لأن الطرفين يتجنبان الانزلاق لهذه الحرب عسكريًّا، ولكن روسيا وحلفاءها يسعون لإعادة تشكيل العالم اقتصاديًّا وسياسيًّا، مستندين على صعود الصين وآسيا.
فأظهرت لنا الحرب الروسية × الأوكرانية كيف تقاطعت ملفات الغاز والطاقة والحبوب، وأصبح أهل كوكب الأرض يتحدثون عن الأضرار الاقتصادية التي باتت تؤرق الغرب نتيجة للعقوبات على روسيا، مما أدى لرفع التضخم المخيف في عدد من الدول الغربية.
وتبيَّن لأهل كوكب الأرض بأن زمن أحادية القطب قد اقترب من الانتهاء؛ لأن مجموعة بريكس تبحث عن الوسائل للدفع بغير عملة الدولار في التسويات الدولية، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لدول «بريكس» أن تغير العالم الأحادي الذي تسيطر عليه أمريكا؟
فإذا هذه ستكون رغبة «بريكس» فأين سيكون الصراع؟هل في إزاحة الدولار عن عرشه، أم في الصراع التكنولوجي أم في القوة العسكرية؟وبالنتيجة نرى أن المستقبل يشير لظهور قطبين، فالمحللون يرون أن روسيا والصين والدول الآسيوية والأفريقية، وبعض دول الخليج العربي الذين سينضمون إلى «مجموعة بريكس» في يناير 2024م سيعملون على تمتين بداية تأكيد النظام الجديد ثنائي القطبية، لأنهم يشكلون قرابة نصف سكان العالم، ولهم ثلث الناتج المحلي العالمي، وهذه القوة تستطيع تهديد مكانة الدولار لو اتخذوا سياسة استراتيجية بعيدة المدى، وخاصة أن هناك دولًا جديدة يُحتمل أن تنضم للبريكس مثل السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، بهذا التجمع في بريكس يكون التجمع يملك ثلثي الاقتصاد العالمي، و26% من مساحة أراضي العالم و40,7 من الناتج المحلي، وتصير دول بريكس قطبًا آخر ينافس أمريكا.
تحكُّم القطب الواحد على العالم أثبت لنا أنه عندما تحدث نزاعات بين الدول الكبرى تكون النتيجة تضرر الدول النامية، وقد رأينا كيف رفع الفيدراليالأمريكيأسعار الفائدة فأدى لمذبحة للاقتراض، ثم مفرمة خدمة الدّين وتصاعد معدلات التضخم،وأزمات متعددة منها الأزمات الغذائية للدول الضعيفة.
هل جماعة القطب الواحد يختلفون؟
لاحظنا في الأيام الأخيرة، ولأول مرة بمناسبة انعقاد الدورة 78 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في العام 2023م، غياب 4 رؤساء من الدول دائمة العضوية في هذا اللقاء الأممي، وهم روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، هل هذا يعني أن الأمم المتحدة لم تعد متحدة؟ أم أن رؤساء روسيا والصين وفرنسا مشغولون للتحضير للقمة الثلاثية بينهم في أكتوبر 2023م؟
وفي الخلاصة:
هل الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت خائفة من هذه المؤشرات التي ستلغيها كحاكمة لكوكب الأرض؟ وخاصة أن أشهر وزير فيها وزير الخارجية إنتوني بلينكن أعلن عن قرب نهاية النظام العالمي، وقال إن تحالف الصين وروسيا هو التهديد الأكثر خطورة للنظام العالمي.
وقالالوزير بلينكن:«إن بكين وموسكو تعملان معًا لجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا للأنظمة الاستبدادية في شراكتهم التي لا تعرف حدودا» وأنهى الوزير الأمريكي تصريحاته بالقول: «الاتفاق على التعاون الدولي أصبح صعبا على نحو متزايد، ليس فقط بسبب التوترات الجيوسياسية، ولكن أيضا بسبب الحجم الهائل للمشاكل العالمية، بما في ذلك أزمة المناخ والأمن الغذائي والهجرة الجماعية».
ولهذا يوحي لنا الأمرأن الأمم المتحدة فشلت لأن أعضائها مختلفون، والأعضاء دائمو العضوية مختلفون، ولهذا كلهم يسعون لإيجاد نظام دولي جديد بعيدًا عن القطبية الواحدة.
سؤالي: هل يتغير العالم ويذهب لنظام جديد متعادل؟