فاروق يوسف يكتب:

استهداف الشيعة وكذبة المظلومية والمؤامرة مستمرة

القاهرة

بالاتفاق مع المحتل الأميركي اختار زعماء الأحزاب الشيعية في العراق أن يكون رئيس الجمهورية كرديا. حدث ذلك من أجل أن يستولي أولئك الزعماء على السلطة التنفيذية التي تقبض على مصير العراق وتتحكم بثرواته.

كان هناك شعور بأن ذلك استحقاق تاريخي سيكون بمثابة نهاية لمظلومية امتدت لقرون، حُرم فيها الشيعة من الحكم. وفي ذلك الشعور نوع من المغالاة الشعبوية في الانحراف بالوقائع التاريخية عن مسارها الصحيح.

فليس صحيحا أن الشيعة حُرموا من الحكم. هناك دول شيعية قامت في المنطقة عبر التاريخ. وليس صحيحا أيضا أنهم منعوا من المشاركة في الحكم وتسلم البعض منهم أرقى المناصب. ففي تاريخ العراق الحديث ما يدحض ذلك.

كل ذلك انما يشكل خلفية لمزاعم تستند إلى مرويات بكائية ليس إلا وليس لها صلة بالحقائق التي لا يمكن اخفاؤها.

منذ حوالي عشرين سنة والشيعة يحكمون في العراق من غير منافس. بيدهم السلطة والمال والجيش والأجهزة الأمنية وكل شيء. غير أن الشعور بالظلم لا يزال سائدا. لا تزال المظلومية شعارا ترفعه الأحزاب الشيعية في وجوه الآخرين، بل صار يُستعمل من قبل الأحزاب الشيعية، يبتز بعضها البعض الآخر من خلاله. 

وإذ يعيش النظام السياسي الفاشل اليوم أزمة عسيرة على الحل قد تؤدي إلى انهياره بالكامل، عاد البعض إلى ترديد نظرية "استهداف الشيعة" ليجيشوا من خلالها البسطاء والفقراء بأسلوب طائفي مله العراقيون بعد أن اكتشفوا أنه مجرد غطاء للفساد الذي مارسته أحزاب السلطة وأدى إلى تدمير الكثير من القيم الاجتماعية ناهيك عما سببه من تدن في مستوى المعيشة لمعظم فئات المجتمع ولم يقع في ذلك أي استثناء للمحافظات ذات الأغلبية الشيعية التي شهدت انفجار الاحتجاجات الشعبية عام 2019.

وما كان لأزمة الحكم الحالية أن تعصف بالنظام وتهز أركانه إلا لأن النظام نفسه يعيش أزمة تمتد إلى جذوره وهي أزمة تتعلق ببنيته الطائفية التي لم ينتج عنها توزيع عادل للثروات، بل نتج عنها إثراء غير مشروع وليس طبيعيا للأحزاب الحاكمة وجلها من الشيعية السياسية وزعمائها الذين اعتبروا العراق بثرواته العظيمة غنيمة حرب يحق لهم التصرف بها كما يشاؤون وبالطريقة التي تناسبهم.

لذلك يمكن اعتبار العودة إلى معزوفة المظلومية الشيعية التي يمتزج فيها الحق بالباطل محاولة لخلط الأوراق والتشويش على حقيقة أن النظام السياسي خسر ومنذ سنوات مصداقيته لا على مستوى الوطنية فهي أمر لا وجود له في القاموس السياسي العراقي السائد، بل على مستوى تحسين مستوى العيش لأبناء الطائفة. والأمر الذي صار واضحا أن التحذير من وقوع حرب شيعية ــ شيعية يعني أن هناك نارا سيكون وقودها الشيعة. وهم مواطنون لم يكونوا من الدرجة الثانية يوما ما غير أنهم صاروا كذلك في ظل حكم الأحزاب الشيعية.

لقد اعتمدت أحزاب الحكم التمييز ما بين منتسبيها والمناصرين لها والذين يقيم معظمهم خارج العراق وبين الغالبية العظمى من العراقيين الذين عاشوا مرارة الحروب المتلاحقة والحصار الدولي الذي دام ثلاثة عشر عاما. وهو تمييز صار العراقيون على تماس مباشر به. فكل الأموال التي كان يجب أن تنقلهم إلى مرحلة الرفاهية الاجتماعية ذهبت في الانفاق على اللاجئين الذين سبق لهم وأن تمتعوا برعاية الدول التي آوتهم ووفرت لهم كل أسباب العيش الكريم.

في حقيقة الأمر إن مظلومية الشيعة في العراق بدأت يوم استولت أحزاب الشيعة على الحكم وقبضت على أموال كان مقدرا لها أن تبني بلدا من ذهب. غير أن غياب العدالة والنزاهة من فكر تلك الأحزاب التي وضع زعماؤها الانتقام من الشعب الذي اخترق السنوات العصيبة وخرج منها حيا هدفا هو ما أدى إلى ضياع ثروة العراق وعدم تمتع العراقيين بالرفاهية التي كانت وعدا أميركيا كاذبا. 

بعد كل ذلك الفساد وبعد كل ذلك الفشل وبعد كل ذلك الاستهتار بأمن العراق وسيادته وكرامة مواطنيه، من السخرية الآن أن يتم الحديث عن استهداف الشيعة. فالشيعة براء من الأحزاب التي تم استيرادها من إيران ودول أخرى كانت تخطط لإزاحة العراق من الخارطة السياسية. ذلك هو الواقع الذي تحاول تلك الأحزاب اللعب به بحيث يبدو صراع الحكم الشيعي ــ الشيعي كما لو أنه محاولة للإنتقال بالنظام إلى مرحلة جديدة تقضي على المؤامرة التي يتعرض لها الشيعة.  

وفي ذلك يمكن القول إن الأحزاب الشيعية تكذب وأن "المظلومية الشيعية" مجرد شعار سياسي كاذب وإن النظام السياسي قد انتهت صلاحيته وهو في طريقه إلى زوال.