فاروق يوسف يكتب:

الخفة الغربية والبحث عن ضحية جديدة

بيروت

هل ستكون تايوان هي الضحية الثانية للاستخفاف الغربي بمصير الشعوب بعد أوكرانيا؟

زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى الجزيرة التي كانت تُسمى بالصين الوطنية ليست بريئة وهي تدخل في إطار محاولات الولايات المتحدة توجيه ضربات تحت الحزام إلى الصين. وهي الدولة العظمى التي تزعم أنها ستستعيد الجزيرة الفالتة من سيطرتها طال الزمن أم قصر. المسألة مسألة وقت ليس إلا.

سيناريو أوكرانيا يُستعاد.

هناك نية لتوسيع إطار حلف الناتو ليضم دولا شرقية مثل تايوان. كانت أوكرانيا الملاصقة لروسيا قد أعلنت في تحد واضح لجارتها العظمى عن قرب انضمامها إلى الناتو فاندلعت شرارة الحرب ونفذت روسيا تهديداتها التي هي ليست وليدة اليوم.

اليوم تهدد الصين بالعواقب نفسها إن تكرر السيناريو.

سيكون العالم إذاً على موعد مع حرب مدمرة أخرى. يلعب الغرب فيها دور المحرض على الخراب. الشيطان الذي يغذي شروره بمصائر الآخرين.

والفرق كبير بين دولة مستقلة ذات سيادة مثل أوكرانيا واقليم يتمتع بالحكم الذاتي وخارج عن سيطرة الدولة الأم التي حرص الجميع على ارضائها تمسكا بمبدأ الصين الواحدة مثل تايوان.

وإذا ما كانت أوروبا تجد مشروعية في تدخلها في المسألة الأوكرانية كون أوكرانيا المستقلة تقع في وسطها فإنها لن تجد سببا يدعوها إلى التدخل في ما إذا تحولت تايوان إلى هشيم. فالصين الشعبية التي لا تزال تؤجل مشروعها في تايوان قد تجد في القانون الذي سيناقشه الكونغرس الأميركي في الأشهر المقبلة حول توفير الإمكانية لتايوان للتحالف مع الناتو مناسبة لإنجازه. سيتم الأمر بسرعة البرق قبل أن يتمكن أي طرف من منعها من القيام بذلك.

لقد بالغت الولايات المتحدة وأوروبا في المساعدات المُقدمة إلى أوكرانيا حتى يُقال أن تلك المساعدات قد تقف على قدم المساواة مع مشروع مارشال الأميركي الذي أعاد إعمار أوروبا بعد حربها الثانية. في ذلك التقدير نوع من المبالغة غير أنه يحمل شيئا من الحقيقة.

ولكن هل منعت كل تلك المساعدات الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس في أوكرانيا وسحقت البشر قبل الحجر ولا تزال ماكنتها تعمل من غير توقف وهي تسحق كل مَن أو ما يقف أمامها.

ليس من السليم توسيع دائرة الحرب لتشمل أوروبا. ذلك صحيح، ولكن هل من الصحيح أن تُسقط أوروبا من يدها خيارات إنهاء تلك الحرب إرضاء للولايات المتحدة؟ 

إنهم يفكرون في بوتين ولا يفكرون في الشعب الأوكراني.

تلك مسألة مسلية بالنسبة لهم تدخل في عالم الألعاب السياسية الذكية التي يمكن أن تضحي بشيء صغير لتجني ربحا كبيرا وشعب أوكرانيا هو ذلك الشي الصغير.

فهل يتعلم الآخرون من ذلك درسا ينفعهم؟

لم يتخل الغرب عن أوكرانيا، لكن بالطريقة التي تخدم مصالحه لا في ما يقع في مصلحة الشعب الأوكراني الذي صار يعيش على المساعدات بدلا من حياته الحرة الكريمة. أهذا هو المبدأ الذي يُراد تعميمه حول العالم؟

في عالمنا العربي تُركت دول تطحن نفسها بنفسها كما هو حال سوريا والعراق وليبيا واليمن. كان الغرب جزءا من المشكلة وحين جرب أن يكون جزءا من الحل ساءت الأمور بحيث صار يُشك بأن مصلحة الغرب تقع في هلاك شعوب تلك الدول.

كل المساعدات التي تُقدم إلى أوكرانيا هي من أجل إدامة أمد الحرب وحماية نظام الرئيس زيلينسكي من السقوط بل وإظهار الممثل السابق كما لو أنه بطل قومي.

ولأن الروس لا يسعون إلى احتلال العاصمة كييف وإسقاط النظام بأنفسهم لكي لا تنتقل المسألة من حرب إلى احتلال دولة ذات سيادة فإن زيلينسكي سعيد بالمساعدات التي صارت تفيض عن حاجة السكان الذين لم يلتحقوا بحشود اللاجئين الذين استقبلوا بحفاوة مبالغ فيها على الحدود البولندية.

خيانة مزدوجة يرقص لها الغرب.

فالرجل جر بلاده إلى حرب لم تكن في حاجة إليها وهو يعمل اليوم على إدامة تلك الحرب بالرغم من أن ميزان القوى ليس لصالحه. ولكنه يفعل ذلك إرضاء للغرب الذي وجد في حرب تخوضها روسيا مناسبة لإضعافها من خلال فرض العقوبات عليها ومحاصرتها.

غباء سياسي ممزج بشطارة صبيانية. فروسيا دولة عظمى ولا يمكن فرض الحصار عليها. إن لديها يدا في كل مكان في العالم حتى في الولايات المتحدة نفسها. وليس بوتين مجرد دكتاتور هش يمكن اللعب بأعصابه وإدخاله في سلسلة من الاختبارات التي يمكن أن يفشل فيها.

ما لم يكن متوقعا أن يصل الغرب إلى هذه الدرجة من الخفة.