فاروق يوسف يكتب:

المتاجرة بجثة.. من بن لادن إلى الظواهري

واشنطن

قبل سنوات شكك الكثيرون في صدق رواية الرئيس الأميركي باراك أوباما عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان.

كانت حجتهم في ذلك أن الرجل الذي أشاع اسمه الرعب في العالم كان مريضا بما يُميت. وعلاجه ليس بدائيا أو يمكن أن يتم عن طريق الأعشاب مثلا. كان في حاجة إلى عمليات تُجرى في مستشفيات متخصصة.

الرجل الذي لم يُعرف عنه أنه كان مقاتلا، كان من وجهة نظر المشككين ميتا قبل أن تنفذ القوات الأميركية غارتها وتقتل شبحه في بيته الأفغاني.

لم يكن قتل بن لادن ليعني شيئا يومها. فالرجل أنجز ما يُريد. أكمل رسالته في الإرهاب وترك أثرا لا يُمحى إن كان هو حقا مَن يقف وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ليس البرجان هنا أهم من شعوب أفنيت ولا تغطي المجزرة التي حدثت في نيويورك على مجازر حدثت في أفغانستان والعراق. لقد أيقظ الوحش الصغير أكبر الوحوش في العالم وأشدها عدوانية وأطلقه كي يعيث في الأرض خرابا.

أما كان من الأفضل الوصول إلى بن لادن يومها بدلا من إحراق دول وتهشيم شعوبها ووضعها على سكة قطار ذاهب إلى المجهول؟

الظواهري الذي هو خليفة بن لادن كان معلمه المصري.

جو بايدن كرر مأثرة أوباما. الظواهري هو الآخر مريض منذ سنوات ومرضه قاتل. لماذا لم يتم إلقاء القبض عليه من خلال خطفه من قبل وحدات كوماندوز؟

ستمضي الأسرار معه أم أنه ليس هناك أسرار ينبغي على العالم أن يطّلع عليها. أين يقع الإنجاز الذي فاخر به بايدن؟ الظواهري رأى فكرته تمشي على قدمين. وزع الكثير من المؤمنين به وبأفكاره المتطرفة وأساليب معالجاته الإرهابية عبر العالم. مَن يجاهر ومَن يُخفي في انتظار ساعة الصفر. لم يكن لبقائه معنى. لقد أنجزت المهمة التي نذر لها نفسه من زمان. كان مجرد تمثال جرى نسفه. حجر تمت إزاحته من الطريق الذي لا يرتاده أحد. لم يكن هناك معنى للفيلم الأميركي.

الإرهاب الذي ارتبط ببن لادن والظواهري كان قد تمدد ليسحق دولا بأكملها تحت مرأى الولايات المتحدة. بل إنها كانت في الكثير من الأحيان تدعم التنظيمات التي كانت تقاتل انطلاقا من فكر الرجلين كما حدث في سوريا.

أليست هناك إشارات كثيرة تؤكد صلة تنظيم القاعدة الذي تزعمه الرجلان بإيران فلماذا يتعامل الغرب مع إيران متناسيا تلك المسألة التي قصمت شبهاتها ظهر نظام صدام حسين والتي تبين في ما بعد أنها بنيت على مجموعة من الأكاذيب المضللة؟

تعامل أوباما مع مقتل بن لادن كما لو أنه خبر مفرح وفي ذلك إنما يستغبي رئيس أكبر دولة في العالم البشرية جمعاء. وهو ما فعله بايدن حين زف خبر قتل الظواهري. ألم يفكرا في السخرية التي يمكن أن يقابلهما بها البشر الذين لا يزالون يملكون عقلا قادرا على التفكير ووضع الأشياء في محلها؟

ليس الرئيسان الأميركيان غبيين ولكن من المقبول أن يتم استدراجهما إلى مستنقع السخرية. تلك واحدة من الميزات التي لا نفع لها للديمقراطية الأميركية التي تُصدّر إلى الخارج. فالولايات المتحدة تترك بصماتها حين تريد وحيث تشاء وهي مستعدة للتضحية بسمعة سياسييها حين يتعلق الأمر بسياستها التي تخفي القاتل بجسد الضحية.

تكذب الولايات المتحدة وتمشي وترتكب الجريمة ولا تعتذر. هل اعتذرت عمّا فعلته في كوريا وفيتنام في أوقات سابقة. ما شهدته دول أميركا اللاتينية عبر سنوات عصيبة قد كُتب بالدم في فصول مدرسة الإرهاب الأميركي.

من الصعب تخيل أن بن لادن والظواهري لم يكونا جاهزين للقتل عبر السنوات التي كانت الولايات المتحدة تحتل أفغانستان. كانت لديها عيونها الأفغانية في كل مكان، حتى داخل حركة طالبان. ومن قال إن حركة طالبان بريئة. غير أن ذلك لم يكن مطلوبا يومها فتنظيم القاعدة ينبغي أن يستمر برمزيه بن لادن والظواهري. الآن لم يعد ذلك ضروريا.

لو أن الولايات المتحدة أعلنت أن بن لادن مات متأثرا بالفشل الكلوي لما كان ذلك حدثا. أما أن يُقتل بن لادن فذلك هو الحدث الذي يجب أن تنشغل به وسائل الإعلام.

غير أن العودة إلى بن لادن والظواهري بالطريقة الهوليوودية لم يكن هدفها سوى التذكير بأصول الإرهاب الذي رعته في ما بعد الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها.