محمد خلفان يكتب:

الانتخابات النصفية تنذر بفشل الديمقراطيين

لندن

منذ دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 فبراير 2021، وهو يواجه اتهامات بافتقاد اللياقة البدنية والذهنية اللازمة لمنصب الرئيس الأمريكي. بل خرجت تخمينات سياسية بأنه لن يُكمل فترته الرئاسية، بسبب حالته الصحية.

وكان الأمريكيون يعتبرون تلك الاتهامات والتوقعات نوعًا من الحملات السياسية التقليدية المعتادة بين الديمقراطيين والجمهوريين.

ورغم تلك الانتقادات، بدأ "بايدن" رئاسته وهو يتمتع بشعبية كبيرة بين الأمريكيين عمومًا وليس فقط الديمقراطيين، بل إن شعبيته تجاوزت شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب الشعبوي.

ففي الأسبوع الأول لبايدن في البيت الأبيض، حظي بتأييد 54% من الأمريكيين، بينما كان ترامب قد بدأ رئاسته بتأييد 45% فقط، فيما وقفت أقصى شعبية له طوال رئاسته عند 49%.

استعراض هذه المقارنة مهمة لفهم أسباب تراجع شعبية "بايدن" لاحقاً، حيث كان واضحًا، منذ بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن هناك رغبة واسعة النطاق لدى الأمريكيين في الخلاص من "ترامب".. ما جعل فوز "بايدن" أقرب إلى "التصويت العقابي" ضد ترامب، وازداد ذلك مع حادثة اقتحام الكونجرس، وبالتالي في الأجواء نفسها المعادية لترامب جاءت النسبة العالية لشعبية بايدن في أيامه الأولى بالرئاسة.

ومما يؤكد صحة هذا التحليل، تراجع شعبية بايدن بعد أشهر قليلة له في الرئاسة، تحديدًا بدءًا من شهر مايو العام الماضي 2021. أي مع انخراطه الفعلي في وظائف ومهام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بما يتضمنه ذلك من التعاطي مع قضايا الداخل الأمريكي، وهي البوصلة المتحكمة في شعبية الرئيس.

ومن سوء حظ بايدن أنه، ومنذ توليه الرئاسة، تلاحقه أزمات ومشكلات تنعكس مباشرة على حياة الأمريكيين من الزاوية الاقتصادية بصفة خاصة.. وهو ما أظهره أمام مَن انتخبوه عاجزًا عن تنفيذ وعوده الانتخابية، خاصة في مسائل مثل التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في أربعين عامًا، ومواجهة فيروس كوفيد-19 الذي عاد إلى معدلات انتشار كبيرة.

ثم جاءت الأزمة الأوكرانية لتزيد موقف إدارة بايدن سوءًا، خاصة مع انكشاف أن واشنطن أجّجت التصعيد مع روسيا وقامت بتحريض أوكرانيا وحشد الحلفاء في بدايات الأزمة.

إذًا، الرأي العام الأمريكي انتخب بايدن ليبتعد بالولايات المتحدة الأمريكية عن جموح ترامب كشخص واندفاعاته الخارجية وشعبويته وأنانيته في اتخاذ القرارات.

وبالفعل جاء بايدن مختلفًا جذريًّا عن ترامب، لكن في الأسلوب الشخصي ونمط اتخاذ القرار ومناهج التعاطي مع القضايا الداخلية والخارجية.. أما المضمون وجوهر السياسات والمواقف الأمريكية، ففعليًّا لم يطرأ تغير حقيقي من ترامب إلى بايدن، ربما باستثناء بعض القضايا التي كان مردود التغير فيها سلبيًّا وليس إيجابيًّا بالنسبة لبايدن كرئيس.. وتحديدًا قضيتين اثنتين..

القضية الأولى خارجية وهي التصدي لإيران وسياساتها ومخاطرها.. والقضية الثانية داخلية وهي "الإجهاض".

ففي الأولى نظر الأمريكيون بكثير من الشك والقلق لتبني إدارة بايدن أسلوب الحوار والتفاوض مع إيران، كما لو كانت واشنطن تستجدي ودّ طهران.

وفي الثانية انحازت إدارة بايدن إلى شريحة من الأمريكيين لها مكانتها وحجمها، أي لا تمثل أقلية، لكن الأهم أنها ليست الأغلبية. في المجمل، يمكن القول إن جو بايدن بعد عام ونصف العام في البيت الأبيض لم يثبت أنه الرئيس الذي كان يتطلع إليه الأمريكيون ليخلف دونالد ترامب. ربما يكون أمام جو بايدن وقت كافٍ لتحسين صورته أمام الأمريكيين ورفع شعبيته قبل انتخابات الرئاسة المقبلة في 2024. لكن الحزب الديمقراطي لا يتمتع بالمساحة نفسها من الوقت، فانتخابات التجديد النصفي في الكونجرس ستجري في 8 نوفمبر المقبل، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر.

ووفقًا لنمط شبه معتاد، غالبًا يخسر الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس عددا من المقاعد في تلك الانتخابات.

وفي ظل التقارب في عدد المقاعد الكلي بين الحزبين في الكونجرس، تعد خسارة أي عدد آخر من المقاعد ضربة كبيرة للديمقراطيين.

الخشية الكبرى أن ينعكس كل ذلك على مصير الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة، التي أبدى 75% من الأمريكيين رغبتهم في خوضها بمرشح آخر غير بايدن.

ورغم أن عامًا ونصف العام فقط مضيا من فترة رئاسة بايدن، فإن مخاوف كبيرة تسود الديمقراطيين من ألا يسعفهم الوقت المتبقي لاستدراك الموقف والفوز بالرئاسيات المقبلة، سواء بمرشح آخر أو ببايدن نفسه.