صالح البيضاني يكتب:
وجه ميليشاوي معفر بالأيديولوجيا
واجه مجلس القيادي الرئاسي اليمني خلال الأيام الماضية ما يمكن اعتباره أكبر تحدّ له منذ تشكيله في أبريل 2022. وتمثل هذا التحدي في التمرد العسكري الذي أعلنه أحد القادة الأمنيين في محافظة شبوة، رافضا قرار إقالته الذي صدر عن محافظ المحافظة ورئيس اللجنة الأمنية فيها، قبل أن يتحول هذا التمرد إلى نطاق أوسع وأخطر ربما، بعد اعتراض هذا الضابط المحسوب على طرف سياسي أيديولوجي على قرار صدر عن مجلس القيادة الرئاسي ذاته بعزله.
وبقدر ما يمكن اعتبار هذا التمرد المسلح على قرارات الشرعية اليمنية المتمثلة في المجلس الرئاسي، كبسولة اختبار لتماسك المجلس وصلابته وسرعة استجابته لمحاولات وضع العراقيل في طريق التغييرات التي يعتزم القيام بها لإصلاح مؤسسات الشرعية والخلل الذي شابها خلال السنوات السبع الماضية، كشفت أحداث شبوة عن خلل عميق رافق بناء المؤسسات العسكرية والأمنية في تلك السنوات الخوالي، حيث استفرد طرف وحيد في الشرعية ببناء تلك القوات على أسس حزبية وأيديولوجية لا تنتمي لمنطق الدولة، وهو ما تجلى في ذلك التمرد الخاطف الذي شارك فيه عدد من الوحدات الأمنية والعسكرية متحدية قرارات السلطة المحلية في شبوة ومن ثم قرارات المجلس الرئاسي.
وقد عرّت أحداث شبوة جماعة الإخوان ونهجها القائم على التمكين وإقصاء الآخرين واعتبار الدولة ومؤسساتها وشرعيتها غنيمة أو مجرد وسيلة لا غاية، وتم إظهار الوجه الميليشياوي المعفر بتراب التعصب الأيديولوجي عند أول اختبار حقيقي. كان يفرض على تلك الجماعة احترام قواعد العمل العسكري وأساليب التعاطي مع قرارات الدولة واحترام رأس الهرم السياسي فيها دون انتقائية أو تعصب أو مخاتلة أو مغالطات إعلامية.
لا تقف قائمة تناقضات الإخوان في اليمن عند حد، فقد ظلوا خلال السنوات الماضية يشهرون الاتهامات بالتمرد في وجه خصومهم
وإذا ما رجعنا للذاكرة السياسية في اليمن خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا في العام 2011، واستعرضنا جملة من المواقف التي تعكس تناقضات إخوان اليمن، لأدركنا حجم التحدي الذي يواجهه المجلس الرئاسي في سعيه لإصلاح مؤسسات الشرعية، إزاء تنظيم زئبقي تقوم مداميك أفكاره السياسية على مبدأ “الغاية تبرّر الوسيلة” والتقية السياسية، حيث كان الإخوان في اليمن خلال تلك السنوات الماضية يسخرون من الشعار الذي رفعه الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح تحت عنوان “الشرعية الدستورية”، وهو نفس الشعار الذي استعاره إخوان اليمن لاحقا لإرهاب خصومهم السياسيين عبر التعلق بأستار “الشرعية” التي تحولت قبل إعلان مجلس القيادة الرئاسي إلى واجهة لتنفيذ مخططهم في التمكين السياسي والسيطرة على مؤسسات الشرعية العسكرية والأمنية والمدنية.
وقد شهدت الأيام الماضية في خضم الأحداث التي شهدتها محافظة شبوة، طورا جديدا من تعاطي الإخوان المتأرجح مع “الشرعية” ومفاهيمها، وتحديدا بعد إصدار مجلس الرئاسة قرارات بإقالة عدد من الضباط المتمردين المحسوبين على التنظيم في شبوة، وهو الأمر الذي اعتبروه استهدافا لهم ومساسا بما يرونها مكاسب استطاعوا تحقيقها خلال السنوات الماضية، تحت عباءة العطب في رأس هرم الشرعية وفي غفلة من حقائق القوة على الأرض التي كشفت عنها تداعيات سقوط ثلاث مديريات في شبوة دون مقاومة تذكر.
وأجزم بأن هذا الحدث الذي مثّل حالة صدمة بالغة، لأسباب عديدة، كان بداية تحول هائل في مسار الأزمة اليمنية، أفضى إلى انعقاد مشاورات الرياض اليمنية التي خرج من رحمها مجلس القيادة الرئاسي كانعكاس حقيقي للقوى الفاعلة على الأرض، وهو ما حجّم من القوى الوهمية التي تسببت سياستها في استهداف وإقصاء القوى الأخرى لنكسة عسكرية وسياسية ساهمت في امتداد أمد الحرب اليمنية لثماني سنوات، خسرت خلالها الشرعية مناطق ومحافظات محررة كان الإخوان يتعاملون معها كإقطاعيات خاصة دون أن يبذلوا الحد الأدنى من الجهد لحمايتها من براثن الحوثيين وبنادقهم الغادرة.
ولا تقف قائمة تناقضات الإخوان في اليمن عند حد، فقد ظلوا خلال السنوات الماضية يشهرون الاتهامات بالتمرد في وجه خصومهم، عندما يواجهون مسؤولا مدنيا أو عسكريا يحاول اعتراض طريق هيمنتهم على مؤسسات الشرعية، أو حتى التململ من تلك القرارات التي كانوا يدبجونها في عتمة الليل لإقصاء من يخرج عن النص أو يشوش على البرنامج المعد سلفا. بينما برزوا في الأيام الماضية كمدافعين عتاة عن التمرد العسكري الذي شهدته شبوة، إلى حد القول بأن “الشرعية” للميدان وليس للكراسي السياسية، في محاولة للنيل من “شرعية” المجلس الرئاسي، وهذا القول الذي لو أخذناه على محمل الجد وفككنا مضامينه المخاتلة، لوجدنا أن هناك أطرافا أخرى هي من تستحق أن يلتصق اسمها بشرعية الميادين وفي مقدمة هؤلاء ألوية العمالقة الجنوبية التي استطاعت تحرير مساحات شاسعة من الساحل الغربي وثلاث مديريات في شبوة وواحدة في مأرب كانت تشكل طوقا حوثيا يهدد محافظة مأرب.