محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):
من هو العدني؟ الجزء الثالث
ما قرأناه أعلاه شهادة اعلى مسؤول سياسي في عدن، يبين ما كان يخطط له الانجليز و الهنود من محو عروبة عدن!!
هاج الشارع العدني، و كثرت المعارضات الوطنية في الصحف و المجلات، فقد كتب الاستاذ رشيد علي الحريري في صحيفة (النهضة) الواسعة الانتشار تعالج قضية الهجرة الأجنبية و مدى خطورتها في النواحي الاقتصادية و السياسية في الجنوب العربي , و كان لهذه المقالات صدى واسع لدى الجماهير , حيث جاءت هذه المقالات النارية لتوافق التذمر العام و الشكاوي المتكررة من قبل المواطنين في
(عدن) المستعمرة من هيمنة و سيطرة الهنود على الوظائف كبيرها و صغيرها , و كذا التعاون السافر فيما بينهم , و ملئ الوظائف من جنسهم و ستر عيوب بعضهم .
و قد عالجت الصحافة الوطنية هذه الشكاوي في شكل خبر , أو مقالة, كما شنت الصحافة الوطنية هجومها على اعتراف الإدارة البريطانية بحق المهاجرين الأجانب من أبناء (الكومنولث) في التدخل في الشؤون السياسية من ذلك حقهم في التصويت و الترشيح للمجلس التشريعي في الوقت الذي حرم فيه من هذا الحق المواطنون الأصليون من أبناء المنطقة ممن تسميهم الإدارة البريطانية (عرب المحميات) و تطالب الإدارة البريطانية في تغيير هذا الواقع الأليم .
هذا و قد بلغ السخط العام من النفوذ الهندي مداه فكانت المحاولة بإلقاء قنبلة شديدة الانفجار على منزل المحامي الهندي (جوشي) الذي نصبه الانجليز وزيرا فأدت إلى نشوب حريق هائل في منزله و لكنه نجا من الموت بأعجوبة.
و مع الصحافة انتفض الادباء و الشعراء ابناء عدن بالهجوم على التصرف الاستعماري، الذي يمنح الهنود السلطة و الجنسية، و كتب يومها المرحوم الاستاذ عبدالله غالب عنتر كلمات لأغنية سماها "امنعوا الهجرة" لحنها المرحوم محمد مرشد ناجي، و غناها المرحوم محمد صالح عزاني، و من كلماتها:
" امنعوا الهجرة إنها خطرة جوا أو بحرا و امنعوا الأجنبي
عن دخول الوطن
نهبوا مالنا سوّدوا حظنا و أنكروا حقنا فرقوا جمعنا
في بلدنا عدن
هاجروا نحونا اخذوا أرضنا هدّدوا حصننا كي يقل شأننا
في أمور الوطن
أكلوا قرصنا حاربوا حقنا جعلوا شعبنا في عناء و محن”
****
و كانت هذه الأغنية و غيرها الكثير، مع المقالات النارية في الصحف من ابناء عدن و الاضرابات العمالية و الغضب الجماهيري ما هو الا رد على المجلس التشريعي الذي قام بتسجيل الهنود القادمون لعدن بسجلاتها و كأنهم أسر عدنية.
و في فبراير 1959 جرت انتخابات المجلس التشريعي لعدن، المكون من 23 عضواً، منهم 12 بالانتخاب والـ11 الآخرون بالتعيين، وذلك على النحو التالي: الأعضاء المنتخبون 9 أعضاء عرب، عضوان عن الجالية الصومالية، وعضو واحد هندي، و11 عضواً بالتعيين.
كانت أكثرية المنتخبين لهذا المجلس هم من الهنود الذين منحت لهم الجنسية العدنية، و الذين ساعدهم على دخول المجلس مقاطعة أكثرية العناصر الوطنية لهذه الانتخابات، التي وصفت بأنها مزيفة، و ذلك بسبب المغالطة التاريخية التي قام بها الهنود الذين منحوا الجنسية العدنية.
التخلص من الحكم الهندي في عدن
و كما اسلفنا سابقا، كانت عدن ترزح تحت ادارة حكومة الهند المركزية في بومباي، و بناء عليه اصبح للجالية الهندية في عدن نفوذا قويا في الحياة الاقتصادية و المالية، و ليس هذا فقط، بل تم صبغ الحياة الاجتماعية لعرب عدن بالعادات و التقاليد الهندية في كل المناحي، لهذا طغت على عدن الثقافة الهندية، و كانت المنشورات و الانذارات الحكومية تكتب بالانجليزية و تترجم الى العربية بطريقة مكسرة ميالة الى اللغة الهندية.
و أدى الضغط الشعبي في عدن على بريطانيا ان تعيد حساباتها، و خاصة ان ابناء عدن بدأوا يصرخون من جور الاستغلال التي كانت تمارسه ضدهم الجالية الهندية المتنفذة، و عندها قررت الحكومة البريطانية أنّ تعيد النظر في تحويل تبعية مستعمرة عدن من حكومة الهند المركزية إلى التاج البريطاني، أي سلخ المستعمرة عن الهند و بتلك الطريقة تشرف عليها وزارة المستعمرات البريطانية بشكل مباشر، و كان من الطبيعي أنّ يثير ذلك القرار البريطاني حفيظة الهنود على تباين مشاربهم الاجتماعية و الثقافية و خصوصاً أصحاب المال و الاقتصاد الكبار .
و بناء على الضغط الشعبي و عوامل أخرى فقد تحولت عدن إلى مستعمرة للتاج بموجب الأمر الصادر في 28 أيلول 1936 الذي بدأ تطبيقه في أول ابريل/نيسان من عام 1937م، و منحت عندئذ النظام العادي و التشريع المعمول به في المستعمرات البريطانية . ومنذ ذلك الحين أصبحت حكومتها من النمط الاستعماري المباشر المقصور على الموظفين من أصل إنجليزي .
طبعا حاول الهنود المتنفذين في عدن الضغط على بريطانيا للعدول عن قرارها و على رأسهم قهوجي دنشوى أحد القوى الاقتصادية و المالية في عدن، لما لهذا القرار من نتائج سيئة على خططهم في سلخ عدن من عروبتها، و السيطرة عليها و خاصة انهم كانوا يعتبرون عدن و طنهم الثاني بعد وطنهم الأول الهند، و كان الهنود يرون أنفسهم أنهم في مستعمرة عدن بنفس مستوى البريطانيين من الأهمية، و أنهم يشعرون بأنهم متفوقون على سكان عدن العرب، لهذا ثارت ثائرة الهنود و على وجه الخصوص أصحاب النفوذ الاقتصادي و المالي في مستعمرة عدن، و من بعض الشخصيات الثقافية الهندية ، فقد وجه (الندوى) مراسل صحيفة هندية نقداً لاذعاً لحكومة عدن البريطانية بأنها خضعت إلى قلة قليلة من العرب (سكان عدن) بنقل إدارة عدن إلى وزارة المستعمرات في الوقت الذي لم تصغ إلى الأغلب الأعم من سكان عدن، و قد انتقد الندوى مراسل الصحيفة الهندية خبراً مفاده : أنّ أثنين و ثلاثين من ابناء عدن كتبوا عريضة إلى وزارة المستعمرات يؤيدون فيها نقل إدارة عدن إلى وزارة المستعمرات، و كيف أنه تم أهمال توصية اتخذت في حفلة خاصة حضرها مئات من العرب و أمضى عليها خمسمائة من التجار الهنود و العرب و ليس إثنان وثلاثون ؟ متهماً هؤلاء بأنّ لهم مصلحة خاصة بإلحاقها بوزارة المستعمرات، و يضيف قائلاً : “ . . . أرجو أنّ تحترم الحكومة (البريطانية) عواطف أكثر سكان بلاد عدن من مختلف الشعوب و تترك المياه تجري في مجاريها و تبقى إدارة عدن تحت حكومة الهند على حالها".
يريد المرء أن يُعطى مناهُ .. ويأبى الله إلا ما أراد.
فعلا اذا لم تستح فأفعل ما شئت!! غريب أمر هذا (الندوي) الذي يزعجه ان طالبت الشخصيات العدنية بأنضمام عدن الى وزارة المستعمرات البريطانية، و في المقابل يدافع بحرارة ان تبقى عدن تحت سيطرة حكومة الهند المركزية، لم يشعر هذا الهندي ان ابناء عدن يرزحون تحت استغلال و ظلم هذه القلة الهندية، و ان ابناء عدن يشعرون بالغربة في بلادهم؟
يا لسخرية الأقدار؛ الم يفكر البريطانيون و الهنود الذي كانوا يتناقشون في ضم عدن لتبعية أحدهم بأن هذه الأرض ملك أهلها، و لماذا لم يفكرا او يناقشان ان يعيدا هذه الأرض الى أهلها، و تصبح عدن جزء من جنوبها العربي و عالمها العربي.
من هو العدني؟
الحديث عن أي استعمار في الدنيا و عن عملائه و اذنابه دائما حديث ذو شجون، لا تجد فيه اي شيء لصالح أهل الأرض التي نُهبت حقوقهم، و ما حدث في عدن ان أتى الاستعمار البريطاني بأستعمار آخر ليدير الحكم في عدن لمدة 100 عام تقريبا و هم الهنود، و لمّا ضغط أهل الأرض الشرعيين على بريطانيا ان يخلصوهم من تسلط الهنود انتفض الهنود على بريطانيا يطالبوهم بعدم الاصغاء لمطالب أهل الأرض و الحق و كأنهم يرددون "انُهلَك و فينا الصالحون".
أود في نهاية هذا الموضوع الطويل الذي حاولت ان اختصره قدر المستطاع الى ان وصلت الى هذا العدد من الصفحات ان يعرف ابناء الجنوب و ابناء العاصمة عدن، ان القهر الذي تسلط على ابناء العاصمة من قبل مجرمي الجبهة القومية و الحزب الاشتراكي عمل على خلق كُرهٌ شديد لكل ما حدث في البلاد منذ 30 نوفمبر 1967 و حتى اليوم، و قد اشرت لهذا الأمر سابقا في هذا الموضوع، و أدى هذا القهر لأن يتمنى بعض ابناء الجنوب ان تعود بريطانيا لتحكمهم من جديد، و هو للأمانة و بعيد عن العواطف و ان كان المقصود فيه عندما كان هناك مجلس تشريعي يديره ابناء عدن الحقيقيين فلعمري ان ذلك افضل.
سيطر الهنود على جميع المرافق الحكومية، الى ان وصلوا في سيطرتهم الى التحكم في انتخابات المجلس التشريعي، و ذلك كما ذكرنا سابقا بسبب منح بريطانيا الجنسية العدنية للهنود المهاجرين لعدن، و بذلك اصبحوا يسيطرون على الانتخابات العامة في البلاد، و يسيطرون على المجلس التشريعي، و بالتالي السيطرة على كل مقدرات البلاد.
و عندما انتفض ابناء عدن في الخمسينات، و انتبه لما يخطط له الهنود، فعملوا على المطالبة بأعادة صياغة القوانين لاعطاء الحق لابناء البلاد الاصلين، لقد لاحظوا كيف انه في احد الانتخابات لم يتجاوز عدد من سجلوا أنفسهم في الانتخابات (8000) ثمانية ألف شخصاً أي بنسبة (4%) من سكان عدن، و اما البقية فهم من الهنود.
عرف الشعب في عدن بأن أعضاء المجلس التشريعي يتم تعيينهم من جانب المندوب السامي البريطاني نفسه، و لم يكن أي منهم ينتمي إلى حزب سياسي، إذ إن الأحزاب السياسية الرئيسية أعلنت عن عزمها على مقاطعة الانتخابات، متهمة المملكة المتحدة بمحاولة تشويه و طمس رغبات المواطنين بواسطة انتخابات مزيفة مقصورة على عدن وحدها، و معتبرة ما سيتمخض عن تلك الانتخابات هيئة تشريعية غير شرعية نظراً لحرمان معظم سكان عدن العرب من حق التصويت و استمرار حالة الطوارئ، و كانت تلك الأحزاب تطالب بانتخابات في كل المنطقة طبقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
و عندها صمم ابناء الجنوب ان تكون الانتخابات ، و تقرر أن تجرى الانتخابات في بريطانيا و عدن في الرابع عشر من أكتوبر 1964م ، ففي بريطانيا فاز حزب العمال البريطاني في الانتخابات العامة بزعامة هارولد ولسون و سقطت حكومة المحافظين، و في عدن في نفس اليوم ظهرت نتيجة الانتخابات في ولاية عدن، و فاز السيد خليفة عبد الله حسن خليفة الذي قدّمت أسرته اسمه كمرشح لعضوية المجلس التشريعي عن دائرة عدن، و كان لا يزال رهن الاعتقال بموجب قانون الطوارئ، و حاز على 90% من أصوات الناخبين و حطم كل رقم قياسي في أي انتخابات جرت في عدن، و كان العطف الشعبي العامل الرئيسي في فوزه، و أصر الاعضاء الفائزون رفضهم عقد اجتماع المجلس (البرلمان) دون الإفراج عن السيد خليفة عبد الله خليفة و حضوره المجلس.
بارادة ابناء عدن الأحرار صادق المجلس التشريعي العدني على التعديلات الجديدة بمؤهلات الناخبين، و لكي يكون للإنسان حق التصويت بشرط أن يكون ذكراً لا يقل عمره عن 21 عاماً، و أن يكون ساكناً في عدن، و أن يكون قادراً بصورة يقتنع بها ضابط التسجيل على النطق و الإلمام التام باللغة العربية (اي مش هندي)، و أن يكون قد وقّع على تصريح يتعهد فيه بأن لا يدين بالولاء أو الطاعة لأية دولة أو قوة أجنبية.
كما اصر ابناء عدن على إدخال اللغة العربية في محاضر المجلس التشريعي، و بعد ذلك اعتمدت اللغة العربية إلى جانب اللغة الانجليزية لغة رسمية في المجلس التشريعي بعدن، و كانت تدار فيه مناقشات مستفيضة و وضع الاستفسارات و الأسئلة الجريئة في الشأن الوطني من قبل أعضاء المجلس التشريعي ، و أيضاً مسألة المسؤولين في الجهات و أعضاء الحكومة.
في نهاية موضوعي هذا أوجه كلامي لأبناء الجنوب و خاصة ابناء العاصمة عدن:
- لماذ يحاول البعض طمس الحقوق التي انتزعها ابناء عدن من الاستعمار البريطاني؟
- لماذا يتناسى هؤلاء الكتّاب الحديث عن صلابة و ذكاء ابناء عدن عندما دعم الشعب ابن عدن المعتقل السيد خليفة عبد الله حسن خليفة للفوز بالانتخابات بنسبة 90% متحديا قرار المندوب السامي.
- لماذ لا ينادي هؤلاء القلة باعتماد سجلات المجلس التشريعي للعام 1964 الذي نادى : -
- قانون التعديل لعام 1955م و الذي أسس قانون الانتخاب أعضاء المجلس التشريعي.
- تعديل 1955م بشأن إعادة تكوين المجلس التشريعي.
- تعديل 1958م بشأن إعادة تكوين السلطة التشريعية و إدخال نظام الرئيس
- تعديل 1958م بشأن تعديل المادة الخامسة بتقديم مشروعات القوانين إلى المجلس التشريعي.
- قانون تعديل الانتخابات لعام 1958م.
- قانون امتيازات و حصانات المجلس التشريعي رقم (19) لعام 1956م.
- اللائحة الداخلية للمجلس التشريعي.
هذه كلها منجزات حققها ابناء عدن لماذ يخفيها هؤلاء القلة الذي يحاولون ان يعيدونا الى رغبات بريطانيا و حلفائها الهنود، بأعتماد تسجيلات المجلس التشريعي لعام 1958؟